[أقسام الأحاديث الموضوعة والمكذوبة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد يروي كثير من الناس في الصفات وسائر أبواب الاعتقادات وعامة أبواب الدين أحاديث كثيرة تكون مكذوبة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قسمان: منها ما يكون كلاماً باطلاً لا يجوز أن يقال فضلاً عن أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والقسم الثاني من الكلام: ما يكون قد قاله بعض السلف أو بعض العلماء أو بعض الناس، ويكون حقاً أو مما يسوغ فيه الاجتهاد، أو مذهباً لقائله، فيعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير عند من لا يعرف الحديث.
مثل المسائل التي وضعها الشيخ أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري وجعلها محنة يفرق فيها بين السني والبدعي، وهي مسائل معروفة عملها بعض الكذابين وجعل لها إسناداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها من كلامه، وهذا يعلمه من له أدنى معرفة أنه مكذوب مفترى].
يقول المؤلف رحمه الله: إن بعض الناس قد يروي في الصفات وفي غير الصفات من سائر أبواب الاعتقادات أحاديث مكذوبة موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس قد يكذب عليه في الصفات، وبعضهم قد يكذب عليه في أبواب الاعتقاد، وبعضهم قد يكذب عليه في العبادات وغير ذلك.
وهذه الأحاديث التي تروى وتنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مكذوبة عليه قسمان: القسم الأول: ما يكون باطلاً لا يجوز أن يقال فضلاً عن أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوضوح كذبه وظهوره، وهذا مثل الحديث الذي وضعه بعض الرافضة فقالوا: (أنا ميزان العلم، وعلي كفتاه، وفاطمة علاقه، والحسن والحسين خيوطه)، فهذه أشياء واضحة وظاهرة الكذب، فبعضها قد يكون فيه خفاء، وبعضها يكون واضحاً لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يقال فضلاً عن أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون هذا الحديث الذي ينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلاماً لبعض السلف، أو كلاماً لبعض العلماء، مثل قول بعض الناس: (حب الوطن من الإيمان) وينسبونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعله كلام لبعضهم، أو أن يكون حكمة، مثل: (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)، فبعض الناس يقول: إن هذا حديث وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حكمة لطبيب العرب الحارث بن كلدة.
فبعضه يكون مقالة لبعض السلف، وبعضه قولاً لبعض العلماء، وقد يكون مذهباً لبعض الناس فينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك: المسائل التي وضعها الشيخ أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري، وقد جعلها محنة يفرق فيها بين السني والبدعي، وهي مسائل معروفة عملها بعض الكذابين وجعلوا لها إسناداً ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه المسائل لم نرها في زماننا فكأن المؤلف رحمه الله وجدها في زمانه، فيحتمل أنها موجودة الآن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذه المسائل وإن كان غالبها موافقاً لأصول السنة ففيها ما إذا خالفه الإنسان لم يحكم بأنه مبتدع، مثل أول نعمة أنعم بها على عبده، فإن هذه المسألة فيها نزاع بين أهل السنة، والنزاع فيها لفظي؛ لأن مبناها على أن اللذة التي يعقبها ألم هل تسمى نعمة أم لا؟ وفيها أيضاً أشياء مرجوحة.
فالواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب، فإن السنة هي الحق دون الباطل، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عموماً ولمن يدعي السنة خصوصاً].
المسائل التي نسبت إلى الشيخ الأنصاري كثيرة منها ما هو موافق لأصول أهل السنة، وإذا خالفها الإنسان لم يحكم عليه بأنه مبتدع؛ لأن المسألة وإن كان بعضها موافقاً لأصول أهل السنة إلا أن فيها ما يخالف، فلذلك إذا خالفها الإنسان لا يحكم عليه بأنه مبتدع، وذلك مثل أول نعمة أنعم الله بها على عبده ما هي، وهذا مبني على أن اللذة التي يعقبها ألم هل تسمى نعمة أم لا؟ فالواجب على المسلم أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث المكذوب، فإن السنة هي الحق، وهي الأحاديث الصحيحة، والباطل هو الأحاديث الموضوعة، فهذا أصل الإسلام عموماً، ولمن يدعي السنة خصوصاً.