[رؤية الله في الدنيا]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة بالحقائق].
يعني: أن الإنسان قد يرى ربه في المنام، والرؤيا في المنام غير الرؤيا في اليقظة، ففي اليقظة لا يمكن لأحد أن يرى الله، فالصواب: أنه لا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا أبداً، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلق، والصواب أنه في ليلة المعراج لم يره بعين رأسه.
وأما رؤيا المنام فيمكن أن يرى الإنسان فيها ربه، وهذا باتفاق الطوائف، ولا ينكر هذا إلا الجهمية، وذلك من شدة إنكارهم لرؤية الله.
يقول المؤلف رحمه الله: إن جميع الطوائف أثبتوا أن الله يُرى في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم، لكن يبقى إشكال وهو: هل يلزم من رؤية الإنسان ربه في المنام أن يكون على تلك الصورة التي رآها؟ يقول المؤلف: لا يمكن؛ لأن الإنسان يرى ربه على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه ويقينه رأى ربه في صورة حسنة، وإذا كان إيمانه ضعيفاً رأى ربه رؤية تشبه إيمانه؛ لأن رؤيا المنام لها حكم آخر يختلف عن حكم رؤيا اليقظة، ولها تعبير وتأويل.
إذاً: فالإنسان قد يرى ربه في النوم على قدر إيمانه ويقينه، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أقوى الناس إيماناً وأصلحهم يقيناً قال: (رأيت ربي في أحسن صورة).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضاً من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام، فيرى بقلبه مثلما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فهذا كله يقع في الدنيا].
يقول المؤلف: إنه قد يقع لبعض الناس في اليقظة نظير ما يحصل للنائم، فيرى بقلبه مثلما يراه النائم، ويتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فيقال: إن المراد هنا بالقلب اليقين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ، ويعلم أنه منام، وربما علم في المنام أنه منام].
يعني: أنه قد يغلب على بعض الناس ما يشهده بقلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعين رأسه من قوة الشهود وتجمع الحواس، حتى يستيقظ فيعلم أنه منام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهكذا من العباد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه، فيظنها رؤية بعينه وهو غالط في ذلك، وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين: إنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان].
يقول المؤلف: من الناس من تحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تثنيه عن الشعور بحواسه، يعني: أنه تحصل له مشاهدة في القلب ويقين حتى يُثنى عن الشعور بحواسه وينسى ما هو عليه، فيظنها رؤية بعينه وهي رؤية بقلبه؛ وذلك من شدة الشعور وجمع الحواس حينما يعلم ربه بقلبه، فقد تغلب عليه قوة وشهود الحواس فيظن أنه رأى ربه بعين رأسه، ويكون غالطاً في هذا.
ثم قال المؤلف: كل من قال من العلماء المتقدمين والمتأخرين: إنه رأى ربه بعين رأسه فهو غالط؛ لأنه لا يمكن رؤية الله في الدنيا.