أما قراءة الرفع ففيها وجهان: أشهرهما- عند المعربين-: أنه على البدل من «أحد» وهو أحسن من النصب؛ لأن الكلام غير موجب. وهذا الوجه رده أبو عبيد بأنه يلزم منه أنهم نهوا عن الالتفات إلا المرأة فإنها لم تنه عنه، وهذا لا يجوز، ولو كان الكلام: «ولا يلتفت» برفع «يلتفت» - يعنى على أن تكون «لا» نافية- فيكون الكلام خبرا عنهم بأنهم لم يلتفتوا إلا امرأته فإنها تلفتت- لكان الاستثناء بالبدلية واضحا، لكنه لم يقرأ برفع «يلتفت» أحد. واستحسن ابن عطية هذا الإلزام من أبى عبيد، وقال: «إنه وارد على القول باستثناء المرأة من «أحد» سواء رفعت «المرأة» أو نصبتها. وهذا صحيح، فإن أبا عبيد لم يرد الرفع لخصوص كونه رفعا، بل لفساد المعنى، وفساد المعنى دائر مع الاستثناء من «أحد»، وأبو عبيد يخرّج النصب على الاستثناء من «بأهلك»، ولكنه يلزم من ذلك إبطال قراءة الرفع، ولا سبيل إلى ذلك؛ لتواترها. وقد انفصل المبرد عن هذا الإشكال الذى أورده أبو عبيد بأن النهى فى اللفظ ل «أحد» وهو فى المعنى للوط- عليه الصلاة والسلام- إذ التقدير: لا تدع منهم أحدا يلتفت، كقولك لخادمك: «لا يقم أحد» النهى ل «أحد» وهو فى المعنى للخادم؛ إذ المعنى: لا تدع أحدا يقوم. فآل الجواب إلى أن المعنى: لا تدع أحدا يلتفت إلا امرأتك فدعها تلتفت، هذا مقتضى الاستثناء كقولك: «لا تدع أحدا يقوم إلا زيدا» معناه: فدعه يقوم. وفيه نظر؛ إذ المحذور الذى قد فر منه أبو عبيد موجود هو أو قريب منه هنا. والثانى: أن الرفع على الاستثناء المنقطع. وقال أبو شامة: «قراءة النصب أيضا من الاستثناء المنقطع؛ فالقراءتان عنده على حد سواء»، قال: «الذى يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع، لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استؤنف الإخبار عنها، فالمعنى: لكن امرأتك يجرى لها كذا وكذا، ويؤيد هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت فى سورة الحجر وليس فيها استثناء البتة، قال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ... الآية [الحجر: ٦٥]. فلم تقع العناية فى ذلك إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى، فجاء شرح حال امرأته فى سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم، وإذا اتضح هذا المعنى علم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية فى الاستثناء المنقطع، وفيه النصب والرفع: فالنصب لغة أهل الحجاز، وعليه الأكثر، والرفع لغة تميم، وعليه اثنان من القراء». قال أبو حيان: «وهذا الذى طوّل به لا تحقيق فيه؛ فإنه إذا لم يقصد إخراجها من الأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، وجعل استثناء منقطعا- كان من المنقطع الذى لم يتوجه عليه العامل بحال، وهذا النوع يجب فيه النصب على كلتا اللغتين- وإنما تكون اللغتان فيما جاز توجه العامل عليه، وفى كلا النوعين يكون ما بعد «إلا» من غير الجنس المستثنى، فكونه جاز فيه اللغتان دليل على أنه يتوجه عليه العامل وهو أنه قد فرض أنه لم يقصد بالاستثناء إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات؛ فكان يجب فيه إذ ذاك النصب قولا واحدا. قال شهاب الدين: أما قوله: «إنه لم يتوجه عليه العامل» فليس بمسلم؛ بل يتوجه عليه فى