للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: فلما سمع الشاب من الوزير جعفر ذلك، رسم له بألف دينار وبذلة، ثم دارت بينهم الأقداح وطاب لهم شراب الراح، فقال الرشيد: يا جعفر، اسأله عن الضرب الذي رأيناه على جنبيه حتى ننظر ما يقول في جوابه.

فقال الوزير: يا مولاي لا تعجل وترفق بنفسك فالصبر أجمل.

فقال: وحياة رأسي وتربة العباس إن لم تسأله أخمدت منك الأنفاس.

فعند ذلك التفت الشاب إلى الوزير وقال: مالك مع رفيقك وما الخبر؟ فقال: خير يا مولانا.

فقال: سألتك بالله إلا ما أخبرتني بخبره، ولا تكتم عني شيئاً من أمره.

فقال: يا مولاي! إنه أبصر على جنبيك أثر سياط، فتعجب من ذلك غاية العجب وقال: يا لله العجب! الخليفة يضرب؟ وقصده يعلم ما السبب؟ فلما سمع الشاب هذا الكلام تبسم وقال: اللهم فنعم، واعلموا أن حديثي عجيبٌ وأمري غريبٌ لو كتب بالإبر على آماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر، ثم تأوه وأن واشتكى وبكى وأنشد:

حديثي عجيب فاق كل العجائب ... وحق إلهٍ غامر بالمواهب

فإن شئتمو أن تسمعوا إلي فأنصتوا ... فيطرب هذا الجمع من كل جانب

وأصغوا إلى قولي، ففيه إشارة ... وإن كلامي صادق غير كاذب

لأني قتيل من غرام ولوعة ... وقاتلتي فاقت جميع الكواعب

لها مقلة كحلا وخد مورد ... ويقتلني منها قسيُّ الحواجب

وقد حس قلبي أن فيكم إمامنا ... خليفة هذا الوقت ابن الأطايب

وثانيكمو يدعى الوزير بجعفر ... وفي الحق يدعى صاحباً وابن صاحب

وثالثكم مسرور سيفاف نقمةٍ ... فإن كان هذا القول حقاً بصائب

فقد نلت ما أرجو على كل حالةٍ ... وجاء سرور القلب من كل جانب

قال: فعند ذلك حلف له جعفر أنهم لم يكونوا المذكورين، فضحك الشاب وقال: الذي أعرفكم به أني ما أنا أمير المؤمنين، وإنما سميت نفسي بهذا الاسم لأبلغ ما أريد من أبناء المدينة، واسمي علي بن محمد الجوهري، وإن أبي كان من الأعيان، ومات وخلف لي أموالاً لا تأكلها النيران من ذهب وفضة ولؤلؤ ومرجان وياقوت وجوهر وزمرد وبهرمان وحمامات وغيطان وبساتين وفنادق وطواحين وعبيد وجوار وغلمان، فلما كان في بعض الأيام وأنا جالس في حانوتي وحولي الحشم والخمد، وإذا أنا بجارية

<<  <   >  >>