للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلي وقالت: من أين يا شيخ؟ فقلت لها: من بغداد، حملني العطش إلى أن أتيت إلى هنا.

فقالت: لعل أن يكون على يدك فرجي، فأنا أكتب لك ورقة فتسال عن بيت الأمير عمرو وتعطيه إياها، فإن رددت علي الجواب فأنا أعطيك خمسمائة دينار.

ثم استدعت بدواة وورق وكتبت، وهي تقول: أما بعد، يعجز لساني ويكل جناني عن بث الأشواق، ولكن أسأل الكريم الخلاق أن يمن علينا بالتلاق بالسعد الرائق والأمر الموافق، وأنا القائلة حيث أقول:

سروري من الدنيا لقاكم وقربكم ... وحبكم فرض وما منكم بد

ولي شاهد دمعي إذا ما ذكرتكم ... جرى فوق خدي لا يطاق له رد

إذا الريح من نحون الحبيب تنسمت ... وجدت لمسراها على كبدي برد

فوالله ما أحببت ما عشت غيركم ... ولا كنت إلا ما حييت لكم عبد

سلام عليك ما أمر فراقكم ... فلا كان منكم ما جرى آخراً عهد

أما بعد، فهذا كتاب ممن ليلها في نحيب، ونهارها في تعذيب، لا أتركن إلى عاذلٍ ولا تصغي إلى قائل، قد غلبتها أيدي الفراق، ولو شرحت بعض ما عندها للفسيح ضاق وما وسعته الأوراق، ولكن أسأل الكريم الخلاق، رافع السبع الطباق، أن يمن علينا بالتلاق، وأنشدت تقول:

أحبة قلبي وإن جرتم ... علي فكل المنى أنتم

رحلتم وفي القلب خلفتم ... لهيباً فهلا ترفقتم

وأودعتم يوم ودعتم ... بأحشاي ناراً وأضرمتم

وما كنتم تعرفون الجفا ... على شؤم بختي تعلمتم

فألف ألف لا أوحش الله منكم والسلام مني عليكم عدد شوقي إليكم ما حن الغريب إلى الأوطان، وغرد حمام الأيك على البان، فرحم الله من قرأ كتابي وتعطف برد جوابي، وأنشدت تقول:

أحبابنا ما رقا دمعي لفرقتكم ... يوم الفراق ولا كفت غواديه

بنتم فلم يبق لي من بعدكم جلد ... ولا فؤاد ولا صبر أرجيه

فكم أمني فؤادي بالهوى كذباً ... ولست أول من بانت غواشيه

قال: ثم إنها طوت الكتاب وختمته بعد أ، نثرت فيه فتات المسك والعنبر، وناولتني إياه

<<  <   >  >>