للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخذته، وأتيت إلى دار الأمير عمرو فوجدته في الصيد والقنص، فجلست على بابه ساعة أنتظره وإذا به قد أقبل، وهو راكب على حصان أشقر، من الخيل الضمر يساوي ملك كسرى وقيصر، من أولاد الأبجر، الذي كان لعنتر، إن طلب لحق، وإن طلب لم يلحق، والأمير في ظهره كأنه البدر في منزلته، والمماليك قد أحدقوا به كما تحدق النجوم بالقمر، وهو بخد أسيل وطرف كحيل وخصر نحيل وردف ثقيل وله عذار أخضر فوق خد أحمر وثغر جوهر وعنق مرمر كما قال فيه ابن معشر:

قمر تكامل في نهاية حسنه ... مثل القضيب على رشاقة قده

فالبدر يطلع من ضياء جبينه ... والشمس تغرب في شقائق خده

ملك الجمال بأسره فكأنما ... حسن البرية كلها من عنده

قال أبو الحسن: فما أمهلته دون أن قبلت ركابه، فلما نظر إلي ترجل واعتنقني وخذ بيدي وأدخلني الدار وأنشد يقول:

ما أظن الزمان يأتي بهذا ... غير أني رأيته في منامي

قال: فلما جلس على حافة البركة أقبل علي يحدثني ساعة، وإذا بالمائدة قد وضعت بين أيدينا، وإذا عليها من ألوان الطعام ما درج وتطاير في الأسحار، وتناكح في الأوكار من قطاً وسماني وأفراخ حمام وبط مسمن ودجاج محمر وأفراخ رضع وبعلبكات السكر فقال لي: بسم الله يا شيخ يا أبا الحسن، فقلت: لا والله يا مولاي، ما أكلت لك طعاماً ولا شربت لك مداماً، إلا أن قضيت لي حاجتي.

فقال: يا أبا الحسن كان هذا من الأول. أين الكتاب الذي للست بدور؟ فقلت: يا سيدي وما هي الست بدور.

فقال: التي جئت من عندها تطلب شربة من الماء منها، ووجدت عندها الطبيب وجرى لك معها ما هو كيت وكيت.

فقلت: يا مولاي أكنت حاضراً؟ فقال: لو كنت حاضراً فلأي شيء كتبت الكتاب؟ فقلت: هل جاء أحدُ من عندها وأعلمك؟ فقال: إنه لا يجسر أحدٌ من غلمانها أن يقابلني.

فقلت: ولا راح أحد من عندك إليها.

فقال: هي أخس وأحقر منم أن يمضي إليها أحد من عندي.

<<  <   >  >>