أحبابنا إنني من يوم فرقتكم ... على فراش الضنا ما زلت مضطجعا
داويت قلبي بحسن الصبر بعدكم ... عسى يفيق من الأسقام ما نفعا
فوالله يا أمير المؤمنين لقد طربت غاية الطرب من حسن صوتها. فلما فرغت الدفية ضربت العودية على عودها طرقاً عديدة، ثم رجعت إلى الطريقة الأولى وأنشدت تقول:
أمؤنس طرفي لا خلا منك ناظري ... وجامع شملي لا خلا منك مجلسي
ويا ساكناً قلبي وما فيه غيره ... يحل فما استوحشت فيه لمؤنسي
وبالله يا أغنى الورى من ملاحةٍ ... تصدق على صب من الصبر مفلس
أنلني الرضا حتى أغيظ به العدا ... ويا موحشي من بعد ما كان مؤنسي
رضاك الذي إن نلته نلت رفعةً ... وألبسني في الناس أشرف ملبس
قال: والله يا أمير المؤمنين لم نتمالك عقولنا من الطرب، ثم التفتت العودية نحو الدفية وقالت لها: يا فلانة أتحسني أن تقولي مثل هذا؟ فقالت الدفية: أنا أحفظ أبياتاً ما أظن أنك تحفظين لهن وزناً ولا قافية ولا عَروضاً.
فقالت العودية: هات ما عندك.
فنقرت الدفية على دفها بأناملها ورفعت صوتها وهي تقول:
كرر وردد ذكرهم في مسمعي ... فهم الشفا لتألمي وتوجعي
أقصر بعذلك يا عذول فإن لي ... قلباً لعذلك لا يفيق ولا يعي
فقالت لها العودية: أنا أحفظ الوزن والقافية والعروض.
فقالت الدفية: هات.
فضربت العودية طريقة من اثنين واثنين وأربعة وأربعة وثمانية وثمانية وستة عشرة وستة عشر ثم عادت إلى الطريقة الأولى وجعلت تقول:
إن لم أٍل وادي إلا سيل بأدمعي ... أعلم بأني في الصبابة مدعي
يا سعد إن جئت الغوير وعاينت ... عيناك بأن المنحني فلترجع
وخذ الحذار من الغزال المختفي ... واحذر يصيدك لحظ ذات البرقع
قال: والله يا أمير المؤمنين فلقد طربنا حتى قام كل منا ورقص. فلما فرغت الجارية قال لها سيدها: عن لي على الذي بقلبي وحدي، فعندها ساوت عودها وقالت:
ما كنت أول رامق صبا صبا ... نحو التصابي، وهو في عمر الصبا
فعلام يعذلني العذول على البكا ... لولا الغرام لما غدوت معذبا