للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حم الغرامُ بحكمه في مهجتي ... ولقد غدا قلبي به متقلبا

يا للرجال خبا الهوى بحشاشتي ... ناراً، فما تخبو على ذاك الخبا

ولقد سبى قلبي غزال لو رأت ... بلقيس طلعته لما سكنت سبا

ولقد هربت من الغرام فقال لي: ... مهلاً! فلن تجدن مني مهربا

فلما سمع الأمير عمرو ذلك صرخ ووقع على الأرض مغشياً عليه. فقالت الجارية: يا مولاي، إنه قد نام سيدي، فإن اخترت أن تنام فقم نم في مرقدك، وإن اخترت الشراب فدونك، ونحن بين يديك إلى الصباح.

فقمت ونمت فلما أصبحت قمت وسألت عن الأمير عمرو فقال بعض الجواري: إنه قد سرح إلى الصيد والقنص فأخذت شاشاً لألبسه فرأيت تحته كيساً فيه ألف دينار، فأخذته وأتيت إلى الست بدور، وإذا بها واقفة خلف الباب تنظر وهي تقول:

يا رسولي إلى الحبيب اعتذر لي ... فلعل الحبيب بقبل عذري

ثم قل للحبيب عني بلطف: ... أي ذنب جرى فأوجب هجري

فلما رأتني قالت: يا شيخ أقمح أم شعير؟ فقلت: لا والله ما هو إلا زوان، والله ما رضي يقرأ مكتوبك ولا يرد جوابك.

فرمت إلي الصرة وفيها مائة دينار، وقالت: اذهب يا أبا الحسن، ما مضى الليل وأتى النهار على شيء إلا وأزاله وغيره ويغير الله ما في القلوب.

ثم إنها أغلقت الباب في وجهي ومضت وعدت إلى دار الأمير محمد بن سليمان الزينبي فلقيته قد جاء من الصيد فقعدت عنده أياماً وأخذت رسمي وعدت إلى بغداد. ثم إني في السنة الثانية سافرت إلى البصرة على ما جرت العادة به ومضيت إلى الأمير عمرو بن جبير الشيباني لأتمنع بذلك الوجه المليح والقد الرجيح، فوجدت الدار متغيرة الآثار والعبيد لابسين السواد فلما رأيت ذلك بكيت وأنشدت أقول:

يا دار أين ترحل السكان ... وسرت بهم من بعدها الأظعان

بالأمس كان بك الضياء مع الهنا ... واليوم عرصاتك الغربان

فسمعني بعض الغلمان، فظهر لي وقال: من ذا الذي يبكي على ديارنا ويندب منازلنا؟ كفى بنا ما عندنا.

<<  <   >  >>