فقلت له: يا عبد الخير، إن صاحب هذه الدار كان من أصدق الناس إلي فما فعل به الزمان؟ فقال لي الغلام: يا مولاي هو في قيد الحياة. وهو يطلب الموت فلا يجده.
فقلت له: بالله عليك خذ لي الطريق.
فقال لي الغلام: يا مولاي من أقول.
فقلت: قل الشيخ أبو الحسن الخليع الدمشقي المسامر.
قال: فعبر الغلام وغاب ساعة وعاد وقال لي: بسم الله أدخل. ويقول له: يا مولاي الضارب ضارب والساكن ساكن لا برد ولا حمى ولا تشتكي غير سهر الليل وجريان الدمع، لا يكون المولى إلا مسحوراً.
فلما سمع الأمير عمرو كلام الطبيب بكى وأنشد يقول:
قال الطبيب لقومي، حين جس يدي: ... هذا فتاكم ورب البيت مسحور
فقلت: ويحك قد قاربت في صفتي ... عين الصواب فهلا قلت مهجور
ثم إنه ناوله كاغداً فيه بعض دنانير، فأخذها الطبيب وانصرف ثم التفت الأمير عمرو إلي وقال: يا شيخ أبي الحسن أما تنظر إلى هذا الحال الذي وقعت فيه؟
فقلت له: حاشاك من الأسوأ ما سبب ذلك؟ قال: ما أعرف له سبباً إلا أن هجر الست بدور قد قتلني وحبها أضنى فؤادي.
فقلت: يا مولاي، بالعام الماضي تركتك أميراً، واليوم أتيت لقيتك أسيراً فما السبب؟ فقال الأمير عمرو: يا شيخ إني في ليلة من الليالي ركبت في الشط، وقد شحنت مركبي من سائر الأزهار والفواكه والرياحين والطعام والمدام، وأوقدت الشموع حتى صارت مثل ضوء النهار، وقد غرقنا في البسط، وبقينا في لعب وضحك إلى ثلث الليل الأول، وإذ قد أقبل من صدر الشط مركب وهو يعزف بالطارات والدفوف ويضيء كضوء الشمس وفيه وهج عظيم، فقلت للملاح: قدم بنا حتى نتفرج وننظر أينا أحسن تعبية مركبنا أو هذا المركب؟ فمددت عيني فرأيت صاحبتي الست بدور، وهي بين جواريها وغلمانها تلعب وتضحك، وهي مثل اسمها، اسم على مسمى، فلما وقعت عيني عليها، كأنما رمت في قلبي جمرة نار فقلت في نفسي: ما فارقت هذا الوجه المليح بذنب. ثم إني تذكرت العهد القديم الذي كان بيننا فلم أقدر أن اصبر، فمدت يدي وأخذت تفاحة