للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورميتها إلى الست بدور فالتفتت فرأتني. فقالت للملاح: ارجع بنا إلى البر، نحن خرجنا هذه الليلة ننشرح، فأرسل الله لنا هذا الفتى ينغص علينا عيشنا. فلما سمعتها تشتمني أضرمت النار في قلبي ثم قلت لنفسي: أنت كنت المطلوب فصرت الطالب، فلم يهن لي عيش في هذه الليلة فقلت للملاح: ارجع إلى الشط. ثم إني نزلت ومضيت إلى منزلي وما ذقت طعم المنام. فلما أصبحت لم يقر لي قرار وصرت أترقب أن يأتي أحد من عندها، ثلاثة أيام، فلم يأت أحد فبعثت من يعرض بذكري لها، فدعت عليهم وشتمتهم. فكتبت لها بعد ذلك ألف كتاب، فلم ترد لي جواباً، وقد رميت روحي على كل كبير في البصرة، فيدخلون عليها فلم تقبل ولم تزدد إلا جفاء، ولي مدة أنتظرك يا شيخ أبا الحسن حتى أبعث معك كتاباً وأنا أحلف لك إن هي ردت لك جوابه أعطيتك ألف دينار، وإن لم ترد جوابه أعطيتك مائة دينار.

فقلت له: اكتب!.

فدعا بدواة وقرطاس وكتب في أول الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من متيم يشكو إليك الصبابة ويسألك بالله أن تردي جوابه. أما بعد، فإنه يعجز لساني ويكل جناني مما أنا فيه من طول السهر ودوام الفكر، وبكى لبكائي أصم الحجر فألف ألفٍ لا أوحش الله منك والسلام عليك.

ثم ختم الكتاب وناولني إياه فأخذته وأتيت به إلى دار الست بدور، فلقيت الباب على غير تلك الحالة الأولى عليه ستر مرخي وبواب وخادم. فقلت: لا إله إلا الله، كان هذا الباب بالأمس خالياً من الأصحاب، واليوم عليه خادم وبواب، ثم إني تقدمت إلى الخادم، وقلت له: قم يا ولدي ادخل واستأذن على مولاتك الست بدور وقل لها: الشيخ أبو الحسن الخليع الدمشقي قد أتى ويطلب المثول بين يديك.

فغاب الخادم ثم عاد مسرعاً وقال: بسم الله ادخل.

فدخلت الدهليز فسمعت الست بدور وهي تقول:

ولأصبرن على الزمان وجوره ... حتى يعود كما أريد وأشتهي

قال: فلما دخلت رأيتها قاعدة على حافة البركة، وبين يديها جارية تروح لها، فتقدمت وقبلت يدها وجلست فنظرت، وإذا عليها غلالة لازوردية، وجميع جسدها بائن من تحت الغلالة كأنه عمود مرمر، وعلى الغلالة مكتوب هذا البيات:

<<  <   >  >>