أقبلت في غلالة زرقاء ... لازوردية كلون سماء
فتأملت في الغلالة ألقى ... قمر الصيف في ليالي الشتاء
ليتني كنت للمليحة عقداً ... أو لثاماً للوجه مثل الرداء
أو قميصاً من الحرير خفيفاً ... لاصقاً بالفؤادِ والأحشاء
ضربتني بخنجر العشق حتى ... صرت ملقى مخضباً بدمائي
تركتني على الطريق ونادت ... من يصلي على قتيل هوائي
ثم إني لما فرغت من قراءة الأشعار قالت لجاريتها: هات لي بذلة قماش، ثم غيرت ما كان عليها، وجلست ثم أمرت بإحضار المائدة وقالت: بسم الله، كل يا أبا الحسن.
فقلت: لا والله لا أكلت لك طعاماً ولا شربت عندك مداماً حتى تقضي حاجتي.
فقال: كان هذا من الأول لكن والله قد وقعت من عيننا برواحك إلى الأمير عمرو قبل مجيئك إلينا.
فقلت لها: أنا ما رحتُ.
فقالت: تكون شيخاً وتكذب، أنت ما عبرت عليه ولقيت الطبيب، وهو يقول له: كيت وكيت، وجرى لك معه كذا وكذا، وهذا الكتاب في طي عمامتك وبالأمارة قال لك: إن ردت الجواب أعطيتك ألف دينار وإن لم ترد لي الجواب أعطيتك مائة دينار؟ فقلت: يا ستي من أعلمك بهذا؟ فقالت: أليس القائل يقول:
قلوب العاشقين لها عيون ... ترى ما لا يراه الناظرونا
وأنا يا شيخ أبا الحسن أعشق منه وأرى أكثر مما يراه.
فقلت: صدقت يا مولاتي، كان ذلك.
ثم ناولتها الكتاب ففضته وقرأته ثم إنها مزقته وبصقت عليه، وداسته ورمته في البركة. فلما رأيت ذلك قلت في نفسي: هذا بذاك وفرض الدين لا بد له من وفاء إلا أني حصل لي بعض غيظ على الألف دينار التي تفوتني، فنظرت غلي وعرفت مني ذلك فقالت: يا شيخ أبا الحسن مم غيظك؟ إن كان وعدك بألف دينار، فبت الليلة عندي وكل واشرب والتذ واطرب، وخذ لك غداً مني ألف دينار وامض في حفظ الله.
فقلت: يا سيدتي يكاد الأمير عمرو أن يموت.
فقالت: دعنا من هذا الكلام.