ثم إن المائدة حضرت فأكلنا بحسب الكفاية، فلما فرغنا قالت: يا شيخ أتعرف لعب الشطرنج.
قلت: ما ألعب إلا على الحكم والرضا.
فقالت: نعم. ثم دعت بالشطرنج فوضع بين أيدينا ولعبت معها الدست الأول، غلبتني فأمرت الجواري أن يرموني في البركة، فمسكوني ورموني في البركة، فضحكت علي ساعة. ثم أخرجوني وقد ابتلت جميع حوائجي. فلما رأتني على تلك الحالة أمرت ببذلة من القماش من أفخر الملبوس فلبست فقالت: أتلعب أيضاً على الحكم والرضا؟ قلت: نعم، فلعبنا فاحتلت عليها، وأتيت لها بحكاية لطيفة مضحكة وشغلتها وسرقت القطع إلى أن غلبتها وتحكمت فيها وقلت: أريد الألف دينار وجواب الكتاب فأعطتني الألف دينار، وطلبت دواة والقرطاس، ثم إنها أطرقت ساعة ورفعت رأسها وكتبت تقول:
ألا يا عمرو كم هذا العناء ... وكم هذا التجلد والجفاء
كتبت إلي تشكو ما تلاقي ... من الأسقام إذ نزل القضاء
فسقم لا يزال بطول دهر ... وداء ما له أبداً دواء
ولو ساعدتنا يا عمرو يوماً ... لساعدناك إذ نزل البلاء
فلا فرغت ناولتني الورقة فقرأتها فقلت: يا ستي، بالله عليك لا تفعلي وارحمي الأمير عمراً واكتبي له غير هذا.
فقالت: يا شيخ أبا الحس، أنت رسول أو فضولي؟ فقلت لها: رسول وفضولي وطفيلي، ويعظ القطط ويحلف أنه ما يبيت إلا في الوسط ويغني بليت بكم.
قال: فضحكت من كلامي، وقالت: حكمتك في نفسي.
فقلت: ست بدور أين تلك المحبة التي كنت تحبينها للأمير عمرو؟ فلو أبصرته ما عرفته من شدة ما يقاسي من الأسقام والآلام والأمراض.
فلما سمعت ذلك قالت: أخبرني عن أقوى شيء به من المرض؟ فقلت: يا سيدتي، ما أقدر أصف لك بعض ما فيه من ألم المرض. فترغرغت عيناها بالدموع ثم قالت: يعز علي ما وصفت لي عنه وروحي لروحه الفداء فالحمد لله الذي جعل اجتماعنا على يديك. ثم دعت بدرجٍ غير تلك الورقة وكتبت في أول الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم،