فقال: ما رآنا أهلاً أن يزيننا بمركبه ويجملنا بجيشه.
فقلت: العفو يا أمير المؤمنين، لو علم بمكانك ما تعداك وما سار إلا بين يديك، واعتذرت بما حضر لي من الكلام.
ثم سرنا حتى انتهينا إلى ضيعة عامرة ومواشٍ كثيرة وعمارة حسنة، وكان الطريق يدور عليها، فدرنا حتى وردنا باب القرية، فنظر الرشيد إلى البيدر وإلى كثرة الغلال فيه والمواشي ويسار أهلها، فالتفت إلي وقال: يا إسماعيل لمن هذه الضيعة؟ قلت: لأخيك جعفر بن يحيى.
فسكت ثم تنفس الصعداء ثم سرنا ولم يزل يمر بكل ضيعة أعمر من الأخرى، وكلما مر وسألني عن ضيعة قلت: لجعفر بن يحيى، حتى سرنا ووصلنا إلى المدينة، فلما أردت وداعه والانصراف إلى منزلي نظر إلي من كان حواليه نظرة، فعلموا ما أراد فتفرقوا وبقيت أنا وهو، فقال: يا إسماعيل.
قلت: لبيك يا أمير المؤمنين.
فقال: انظر إلى البرامكة أغنيناهم وأفقرنا أولادنا وأغفلنا أمرهم.
فقلت في نفسي: بلية والله، ثم قلت: لماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: نظرت لهؤلاء وغفلت عن هؤلاء لأني لا أعرف لأحد من أولادي ضيعة من ضياع البرامكة على طريق واحد، على قرب هذا المدينة، فكيف بما هو لهم غير ذلك على غير هذا الطريق في سائر البلدان.
فقلت: يا أمير المؤمنين إنما البرامكة عبيدك وخدمك، والضيعات وأموالهم وكل ما يملكون لك.
فنظر إلي نظرة جبار عنيد.
ثم قال: ما عد البرامكة بني هاشم إلا عبيدهم، وأنهم هم الدولة وأن لا نعمة لبني العباس إلا والبرامكة أنعموا عليهم بها.
فقلت: أمير المؤمنين أبصر من غيره بخدمه ومواليه.
فقال: والله يا إسماعيل! إنك لتعلم أني قلت هذا وكأني أراك أن تعلمهم بكلامي فتتخذ لك عندهم يداً، وإني آمرك أن تكتم هذا الأمر فإنه ما علم به أحد غيرك، ومتى بلغهم شيء مما جرى؟ علمت أنه ما أفشاه إلا أنت.