للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن عمك أو قال صاحبك إلا بفضلي، ولا قامت هذا الدولة إلا بنا، أما كفى أني تركته لا يهتم بشيء من أمر نفسه وولده وحاشيته ورعيته، وقد ملأت بيوت أمواله أموالاً، ولا زلت للأمور الجليلة أدبرها حتى يمد عينيه إلى ما ادخرته واخترته لولدي وعقبي من بعدي، وداخله حسد بني هاشم وبغيهم ودب فيه الطمع والله لئن سألني شيئاً من ذلك ليكونن وبالاً عليه سريعاً.

فقلت: والله يا سيدي، ما كان مما ظننت شيء ولا تكلم أمير المؤمنين بحرف.

قال: فما هذا الفضول منك، فقعدت بعدها هنيهة ثم قمت إلى منزلي ولم أركب إليه ولا إلى الرشيد لأني صرت بينهما في حال تهمة، وقلت في نفسي: هذا الخليفة وهذا وزيره، وأي شيء لي بالدخول بينهما؟ ولا شك في زوال نعمة البرامكة، وأن أمورهم قد انثلمت.

قال: وحدثني خادم أم جعفر: أن الخادم الذي وهبه الرشيد لجعفر كتب إلى الرشيد بما كان بيني وبينه، وما تكلم به من الكلام الغليظ.

قال: فلما قرأ الكتاب وفهم الخبر احتجب ثلاثة أيام متفكراً في إيقاع الحيلة على البرامكة فدخل في اليوم الرابع على زبيدة فخلا بها وشكا لها ما في قلبه، وأطلعها على الكتاب الذي رفعه إليه الخادم، وكان بين جعفر وزبيدة شر وعداوة قديمة فلما تملكت الحجة عليه بالغت في المكر بهم واجتهدت في هلاكهم، وكان الرشيد يتبرك بمشورتها، فقال: أشيري علي برأيك الموافق الرشيد، إني خائف أن يخرج الأمر من يدي إن تمكنوا من خراسان وتغلبوا عليها؟ فقالت: يا أمير المؤمنين! مثلك مع البرامكة كمثل رجل سكران غريق في بحر عميق، فإن كنت قد أفقت من سكرتك وتخلصت من غرفتك أخبرتك بما هو أصعب عليك وأعظم من هذا بكثير؛ وإن كنت على الحالة الأولى تركتك.

فقال لها: قد كان ما كان، فقولي أسمع منك.

فقالت: إن هذا الأمر أخفاه عنك وزيرك وهو أصعب مما أنت فيه وأقبح وأشنع.

فقال لها: ويحك، وما هو؟ فقالت: أنا أجل من أن أخاطبك به ولكن تحضر أرجوان الخادم وتشدد عليه وتوهنه ضرباً فإنه يعرفك الخبر.

وكان الرشيد قد أحل جعفراً محلاً لم يحله أخوه ولا أبوه، وأمره أن يدخل على الحريم في السفر والحضر وأبرز إليه جواريه وأخواته وبناته لأنه كان بينهما رضاع سوى امرأته

<<  <   >  >>