للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحارب من فرط جود بنانه ... عمت مكارمه الأقارب والعدا

صيغت نصول سهامه من عسجدٍ ... كي لا يقصر في العوارف والندى

وقالت الثالثة:

ومن جوده يرمي العداة بأسهمٍ ... من الذهب الإبريز صيغت نصولها

لينفقها المجروح عند انقطاعه ... ويشتري الأكفان منها قتيلها

وكان مع كرمه صاحب شهامة، فمن ذلك، أنه سعى رجل في إفساد دولة المهدي، وكان من الكوفة فعلم به المهدي فأهدر دمه، وجعل لمن دل عليه مائة ألف درهم، فأقام الرجل حيناً مختفياً ثم ظهر في بغداد فبينما هو في بعض الشوارع إذ رآه رجل من الكوفة فعرفه فاخذ بمجامع طوقه ونادى: هذا طلبة أمير المؤمنين فبينما الرجل على تلك الحالة وقد اجتمع حوله خلق كثير إذ سمع وقع حوافر الخيل من ورائه فالتفت فإذا هو بمعن بن زائدة، فقال: يا أبا الوليد؟ أجرني أجارك الله.

فوقف فقال للرجل الذي تعلق به: ما تريد منه؟ قال: هذا طلبة أمير المؤمنين أهدر دمه، وجعل لمن دل عليه مائة ألف درهم.

فقال له معن: دعه! ثم قال: يا غلام أردفه، فأردفه وكر راجعاً إلى داره، فصاح الرجل: معن حال بيني وبين من طلبه أمير المؤمنين ولم يزل صارخاً إلى أن أتى قصر المهدي، فأمر المهدي بإحضار معن، فأتته الرسلُ، فدعا معن أولاده ومماليكه وقال: لا تسلموا الرجل، وواحد منكم يعيش.

ثم سار إلى المهدي فدخل وسلم فلم يرد عليه، ثم قال: يا معن! أتجير علينا عدونا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال المهدي: ونعم أيضاً.

واشتد غضبه. فقال معن: يا أمير المؤمنين، بالأمس بعثتني إلى اليمن مقدم الجيش، فقتلت في طاعتك في يوم واحدٍ عشرة آلاف رجل، ولي مثل هذا أيام كثيرة فما رأيتموني أهلاً أن أجير رجلاً واحداً استجار بي، ودخل منزلي.

فسكن غضب المهدي، وقال: قد أجرنا من أجرت يا أبا الوليد.

قال معن: فإن رأى أمير المؤمنين أن يصله بصلةٍ يعلم منها موقع الرضا، فإن قلب الرجل قد انخلع من صدره خوفاً.

قال: قد أمرنا له بخمسين ألف درهم.

قال: يا أمير المؤمنين، إن صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية.

قال: قد أمرنا له بمائة ألف درهم.

<<  <   >  >>