قال: عجلها يا أمير المؤمنين، فإن خير البر عاجله.
فأحضر معن الرجل وقال له: خذ صلة أمير المؤمنين، وقبل يده، وإياك ومخالفة خلفاء الله في أرضه، " فما كل مرة تسلم الجرة "، فأرسلها الناس مثلاً، وأخذ الرجل المال واستغفر الله، انتهى.
وكان معن لا يغيظ أحداً، ولا أحد يغيظه، فقال بعض الشعراء: أنا أغيظه لكم، ولو كان قلبه من حجر، فراهنوه على مائة بعير إن أغاظه أخذها، وإن لم يغظه دفع مثلها. فعمد الرجل إلى جمل فذبحه وسلخه ولبس الجلد مثل الثوب وجعل اللحم من خارجٍ والشعر من داخل، والذباب يقع عليه، ويقوم، ولبس برجليه نعلين من جلد الجمل، وجعل اللحم من خارج والشعر من ناحية رجليه، وجلس بين يدي معن على هذه الصورة المشروحة ومد رجليه في وجهه وقال:
أنا والله لا أبدي سلاماً ... على معن المسمى بالأمير
فقال له معن: السلام لله إن سلمت رددنا عليك، وإن لم تسلم ما عتبنا عليك.
فقال الشاعر:
ولا آتي بلاداً أنت فيها ... ولو حزت الشآم مع الثغور
فقال له: البلاد بلاد الله إن نزلت فمرحباً بك، وإن رحلت كان الله في عونك.
فقال الشاعر:
وأرحل من بلادك ألف شهر ... أجدُّ السير في أعلى القفورِ
فقال له: مصحوباً بالسلامة.
فقال الشاعر:
أتذكر إذ قميصك جلد شاةٍ ... وإذ نعلاك من جلد البعير
فقال له: أعرف ذلك ولا أنكره.
فقال الشاعر:
وتهوى كل مضطبةٍ وسوق ... بلا عبدٍ لديك ولا وزير
فقال له: ما نسيت ذلك يا أخا العرب.
فقال الشاعر:
ونومك في الشتاء بلا رداء ... وأكلك دائماً خبز الشعير
فقال: الحمد لله على كل حال.