فإن قلت علموه وسكتوا عنه توسعاً، وسعنا وإياك من السكوت، ما وسع القوم، وإن قلت جهلوه وعلمته أنت، فيا لكع ابن لكع، شيء يجهله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، وتعلمه أنت وأصحابك.
قال المهتدي: فرأيت أبي وثب قائماً ودخل الحجرة، فجعل ثوبه في فيه وجعل يضحك ثم جعل يقول: صدق الشيخ، إلى آخر ما تقدم، وقال المهتدي: ما زلت أقول القرآن مخلوقٌ صدراً من خلافة الواثق حتى أقدم علينا أحمد بن دؤاد شيخاً من أهل الشام، فأدخل الشيخ على الواثق مقيداً وهو جميل الوجه تام القامة، حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه ورق له فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه، فسلم عليه الشيخ فأحسن السلام ودعا فأبلغ وأوجز فقال له الواثق: اجلس، ثم قال: يا شيخ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ابن أبي دؤاد يقل ويصغر، ويضعف عن المناظرة.
فغضب الواثق وأعاد مكان الرقة له غضباً، وقال: أبو عبد الله بن أبي دؤاد يقل ويصغر ويضعف عن مناظرتك أنت.
قال الشيخ: هون عليك يا أمير المؤمنين، ما بك، وائذن لي في مناظرته.
فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة.
فقال الشيخ: يا أحمد يا ابن أبي دؤاد إلام دعوت الناس ودعوتني إليه؟ فقال: أن تقول: القرآن مخلوقٌ لأن كل شيء دون الله مخلوق.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول.
فقال: أفعل. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه أواجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه ما قلت؟ قال: نعم. فقال الشيخ: أخبرني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بعثه الله عز وجل إلى عباده، هل ستر شيئاً مما أمره الله به في دينه.؟ فقال: لا. قال الشيخ: أفدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد فقال الشيخ: تكلم فسكت، فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين قل: واحدة.
فقال الواثق: واحدة.
فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن الله عز وجل حين أنزل آخر القرآن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم