للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الكرماني في تعليقه على الرواية: "قيل: هذا وهم من الراوي؛ إذ تعذيب غير العاصي لا يليق بكرم الله تعالى، بخلاف الإنعام على غير المطيع. قال: ولا محذور في تعذيب الله من لا ذنب له؛ إذ القاعدة القائلة بالحُسْنِ والقُبح العقليين باطلة، فلو عذَّبه لكان عدلاً، والإنشاء للجنة لا ينافي الإنشاء للنار، والله يفعل ما يشاء، فلا حاجة إلى الحمل على الوهم". اهـ (١)

[المبحث الخامس: الترجيح]

الذي يظهر صوابه - والله تعالى أعلم - هو القول بضعف الحديث بهذا اللفظ، والجزم بوقوع الغلط فيه.

ويدل على وقوع الغلط فيه وجوه:

الأول: أنَّ الحديث رواه ثلاثة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رُويَ عنهم من طُرقٍ متعددة على الوجه الصحيح، وليس في هذه الطرق ذِكرٌ لهذا اللفظ المشكل، مع اتحاد لفظ الحديث في أغلب هذه الأحاديث والطرق، وفيما يلي تفصيل هذه الطرق وبيان ألفاظها:

الأول: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -:

وقد رُويَ عنه من ثلاثة طرق:

الأول: طريق الأعرج (عبد الرحمن بن هرمز)، عن أبي هريرة، به.

وقد روي عن الأعرج من طريقين:

١ - طريق صالح بن كيسان (٢)، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.

وهذه الطريق هي التي وقع فيها اللفظ المشكل، وقد تقدم ذكر لفظها في أول المسألة.

٢ - طريق أبي الزناد (عبد الله بن ذكوان)، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَحَاجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ


(١) صحيح البخاري بشرح الكرماني (٢٥/ ١٦٠).
(٢) هو صالح بن كيسان المدني، أبو محمد أو أبو الحارث، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، ثقة ثبت فقيه، توفي سنة (١٣٠هـ)، أخرج له البخاري ومسلم. انظر: تقريب التهذيب، لابن حجر (١/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>