الذي يَظْهُرُ صَوَابُه ـ والله تعالى أعلم ـ هو مسلك الجمع بين الآيات والأحاديث، فيُحكم لأهل الفترة في الدنيا بالعذر عند الله تعالى يوم القيامة، إلا أنه من باب العدل فإنَّ الله يمتحنهم في دار الجزاء بنار يأمرهم باقتحامها؛ فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أبى عُذِّب فيها، وهذا الامتحان هو لقيام الحُجة عليهم، وليظهر معلوم الله فيهم، وهم في ذاك الامتحان على فريقين: منهم من يُجيب، ومنهم من لا يُجيب، وما ورد من أحاديث في تعذيب أهل الفترة محمول على الذين لا يُجيبون، وهذا المسلك هو الذي تجتمع به الأدلة، ويزول به التعارض بين الآيات والأحاديث، إنْ شاء الله تعالى.
يدل على هذا الاختيار:
١ - أنَّ إعمال الأدلة جميعاً أولى من إعمال بعضها وترك الآخر، وعند النظر في المسالك الواردة في المسألة نجد أنَّ هذا المسلك هو الذي تنطبق عليه القاعدة، دون بقية المسالك؛ إذ المسلك الأول فيه إعمال للآيات دون الأحاديث، والثالث فيه إعمال لبعض الأحاديث دون الآيات.
٢ - أنَّ القول بنجاتهم أو تعذيبهم مطلقاً فيه إهدار للأحاديث الواردة بامتحانهم يوم القيامة، وقد تقدم أنَّ هذه الأحاديث ـ أعني أحاديث الامتحان ـ قد رُويت عن ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بمجموعها تدل على أنَّ للحديث أصلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
٣ - أنَّ سنة الله في خلقه قد مضت بأنه لا يُعذب أحداً حتى تقوم عليه الحجة، والقول بتعذيبهم مطلقاً مخالف لهذه السنة.
٤ - أنَّ الآيات الواردة في أهل الفترة ليس فيها ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون مطلقاً، بل غاية ما فيها الإخبار بأنَّ هؤلاء لم يُنذروا ولم يُبعث فيهم رسول، وبقي مصيرهم في الآخرة مجهولاً حتى بَيَّنَتْه السنة النبوية وأخبرت بأنهم يمتحنون يوم القيامة.