للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مذهب ابن قتيبة، وابن بطال، ومرعي بن يوسف الكرمي، وعبد الرحمن السعدي. (١)

قال السعدي: «وهذه الآيات فيها بيان أنَّ للرسول - صلى الله عليه وسلم - أسوةً بإخوانه المرسلين، لما وقع منه عند قراءته - صلى الله عليه وسلم - (وَالنَّجْمِ) فلما بلغ: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)) [النجم: ١٩ - ٢٠] ألقى الشيطان في قراءته: (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى)، فحصل بذلك للرسول - صلى الله عليه وسلم - حزن، وللناس فتنة، كما ذكر الله؛ فأنزل الله هذه الآيات».

قال: «وقد عصم الله الرسل بما يبلغون عن الله، وحفظ وحيه أن يشتبه أو يختلط بغيره، ولكن هذا إلقاء من الشيطان غير مستقر ولا مستمر، وإنما هو عارض يعرض ثم يزول، وللعوارض أحكام». اهـ (٢)

[المبحث الخامس: الترجيح]

الحق أنَّ هذه القصة ضعيفة بل باطلة، لأنَّ كل الروايات الواردة فيها مُعَلَّةٌ؛ إما بالإرسال، أو الضعف، أو الجهالة، وليس فيها ما يصلح للاحتجاج به، لا سيّما في مثل هذا الأمر الخطير، الذي يمس مقام نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم -. (٣)

والحق أنَّ الآية لا يصح في سبب نزولها شيء، وغاية ما في الآية الإخبار من الله تعالى أنَّ الشيطان يُلقي شيئاً ما عند (٤) تلاوة نبي من الأنبياء، إلا أننا لا نستطيع الجزم بتعيين ذلك الشيء، ولا يَحِلُّ لنا تعيينه بناء على


(١) انظر على الترتيب: تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة، ص (١٦٩)، وشرح صحيح البخاري، لابن بطال (٣/ ٥٧)، وقلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ من القرآن، للكرمي، ص (١٣١)، وتيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص (٨٨٩).
(٢) تيسير الكريم الرحمن، ص (٨٨٨ - ٨٨٩).
(٣) انظر: نصب المجانيق، للألباني، ص (٣٥).
(٤) نقل القرطبي في تفسيره (١٢/ ٥٦)، عن سليمان بن حرب: أن «في» في قوله: (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) بمعنى عند؛ أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كقوله عز وجل: (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [الشعراء: ١٨]، أي عندنا.

<<  <   >  >>