للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روايات ضعيفة لا يعتمد عليها؛ فإن ذلك من التفسير المذموم الذي حَذَّرَ منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (١)

والأقرب في معنى الآية: أنَّ الله تعالى يُذَكِّرُ نبيه بأنه ما أرسل من قبله من رسول ولا نبي إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئاً من الآيات - على المعنى الذي أراد الله تعالى - ألقى الشيطان في قلوب أوليائه وأتباعه معنىً غير المعنى الذي أراد الله تعالى، من الشُّبَه والوساوس والمعاني الباطلة، فينسخ الله تلك الشُّبَه التي ألقاها الشيطان، بمعنى أنه يبطلها ويذهبها، ثم يحكم آياته فلا يبقى إلا الحق الذي أراده سبحانه، وهذا الإلقاء إنما هو من الشيطان، وهو على صورة إيحاء، وهو كائن في قلوب الذين كفروا، وليس هو إلقاء من الشيطان، في قراءة نبي من الأنبياء؛ بصوت مسموع، فهو لا يستطيع ذلك.

وقد قدَّر الله تعالى إيقاع هذه الإيحاءات من الشيطان، ابتلاءً منه وامتحاناً؛ ليجعل ذلك فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. (٢)

«والمراد بالنسخ في الآية هو النسخ اللغوي، الذي هو بمعنى الإزالة والإبطال، لا النسخ الشرعي الذي هو: رفع حكم شرعي بخطاب جديد؛ لأن ما ألقاه الشيطان ليس بحكم، حتى يكون رفعه نسخاً شرعياً؛ بل هو باطل أبطله الله وأزاله». (٣)

إذا علمت هذا فإن الآية تدل على أنَّ الله ينسخ شيئاً ألقاه الشيطان، ليس مما يقرؤه الرسول أو النبي، وأن ما يلقيه الشيطان: هي الشكوك والوساوس المانعة من تصديق القرآن وقبوله؛ كإلقائه عليهم أنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين، وأنه مفترى على الله وليس منزل من عنده، والدليل على هذا المعنى: أنَّ الله بين أنَّ الحكمة - في الإلقاء المذكور - هي امتحان الخلق؛ لأنه قال: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ


(١) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ».
أخرجه الترمذي في سننه، في كتاب التفسير، حديث (٢٩٥٠)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».
(٢) انظر: روح المعاني، للآلوسي (١٧/ ٢٢٥).
(٣) انظر: رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، للشنقيطي، ص (١٢٨).

<<  <   >  >>