للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: بيان وجه التعارض بين الأحاديث]

ظاهرُ حديثِ أنس - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أُسريَ به، دنا منه الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، وهذا الدنو يُفْهَمُ منه أنه هو المراد من قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩)).

وأمَّا حديثُ عائشةَ وابنِ مسعود - رضي الله عنهما - فظاهرهما يُوهِم مُعارضة حديث أنس؛ لأنهما نسبا الدنو والتدلي في الآية لجبريل عليه السلام، وهما وإنْ لم يُصَرِّحَا برَفْعِ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إلا أنَّ تفسيرهما هذا في حكم المرفوع؛ لأنَّ مثله لا يُقال بالرأي. (١)

[المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الأحاديث]

اختلف العلماء في تفسير الآية، وفي دفع التعارض بين الأحاديث على مذاهب:


= (١١/ ٥٠٨) قال: حدثنا ابن أبي الشوارب قال: ثنا عبد الواحد بن زياد قال: ثنا سليمان الشيباني قال: ثنا زر بن حبيش قال: قال عبد الله في هذه الآية: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩)) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت جبريل له ست مائة جناح».
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (٢/ ٣٤٦)، من طريق أبي الشوارب، به.
إلا أن ابن أبي الشوارب لم يُتابع في رفعه، فقد أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، حديث (٤٨٥٦) قال: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بن زياد، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ زِرًّا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)) قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ».
وابن أبي الشوارب اسمه محمد بن عبد الملك، صدوق، روى له مسلم وغيره. انظر: تقريب التهذيب، لابن حجر (٢/ ١٩٥).
(١) انظر حكاية التعارض في الكتب الآتية: صحيح ابن حبان (١/ ٢٥٦)، والفصول في اختصار سيرة الرسول، لابن كثير (١/ ٢٤٤)، وفتح الباري، لابن حجر (٧/ ٢٥٧) و (١٣/ ٤٩٣).

<<  <   >  >>