للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما كذب إبراهيم - عليه السلام - إلا ثلاث كذبات. فقلت: الأولى أنْ لا نقبل مثل هذه الأخبار، فقال على طريق الاستنكار: فإن لم نقبله؛ لزمنا تكذيب الرواة. فقلت له: يا مسكين، إن قبلناه؛ لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم - عليه السلام - وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة، ولا شك أنَّ صون إبراهيم - عليه السلام - عن الكذب، أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب». اهـ (١)

قلت: وهذا القول من الرازي مردود عليه، فالحديث صحيح لا مطعن فيه، وقد رُوي من عدة طرق، رواتها كلهم ثقات عدول معروفون، ولا سبيل لتكذيبهم، أو رميهم بالجهالة؛ ورحم الله الفخر الرازي؛ فإنه لما أعياه الجواب عن الحديث لجأ إلى رده وإنكاره، ورميِ رواته بالكذب، وليس هذا من شأن العلماء العارفين؛ فإن النصوص لا ترد بمجرد الرأي والهوى، والرازي لا يؤخذ بقوله في تصحيح الأحاديث وتضعيفها؛ لأنه ليس من أهل هذا الشأن، وبضاعته فيه مزجاة، قال عنه الإمام الذهبي: «وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم، وسِحْرٌ وانحرافات عن السُّنة، والله يعفو عنه؛ فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر». (٢)

وأما رأي الرازي في معنى الآيتين، فقد مضى بيانه، عند ذكر رأي أصحاب المذهب الأول.

[المبحث الخامس: الترجيح]

الذي يَظْهُرُ صَوَابُه ـ والله تعالى أعلم ـ هو مذهب إجراء الآيات والأحاديث على ظاهرها، وأن ما قاله إبراهيم الخليل - عليه السلام - كان كذباً على الحقيقة.

وليس في فعله هذا قدح بعصمته، أو اتهام له بفعل محذور شرعي،


(١) مفاتيح الغيب، للرازي (١٨/ ٩٦)، وانظر: (٢٢/ ١٦١) و (٢٦/ ١٢٩).
(٢) سير أعلام النبلاء، للذهبي (٢١/ ٥٠١).

<<  <   >  >>