للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الذنوب التي تاب منها والتي لم يَتُبْ منها؛ وأمَّا الحديث فظاهره أنَّ الذنوب التي كان الكافر يَعمَلها في الجاهلية ولم يَتُبْ منها في الإسلام فإنَّه يُؤَاخَذُ بها، وهذا يُوهِمُ خِلافَ الآية. (١)

[المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث]

أجمع العلماء على أنَّ الكافر إذا أسلم غُفِرَ له بالإسلام الكفر الذي تاب منه (٢)، واختلفوا في الذنوب التي فعلها في حال كفره ولم يَتُبْ منها في الإسلام، هل تُغْفَرُ له أم لا؟ وخلافهم هذا راجع إلى الخلاف في معنى الآية والحديث، والجمع بينهما، وقد اختلفوا في ذلك على مذهبين:

الأول: أن الكافر إذا أسلم غُفِرَ له بالإسلام كل ما كان منه في الجاهلية، من كفر، وذنب، وإنْ أصَرَّ على بعض الذنوب في الإسلام.

وهذا مذهب الجمهور من المحدثين، كما سيأتي ذِكرُ بعضٍ منهم.

واستدلوا على مذهبهم هذا: بالكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول.

أمَّا الكتاب؛ فقد استدلوا بالآية الكريمة الواردة في المسألة، حيث جاءت مطلقة؛ فلم تُفَرِّق بين الذنوب التي تاب منها والتي لم يَتُبْ (٣).


(١) انظر حكاية التعارض في الكتب الآتية: أعلام الحديث، للخطابي (٤/ ٢٣١١)، وفتح الباري، لابن حجر (١٢/ ٢٧٨).
(٢) حكى الإجماع: الخطابي في "أعلام الحديث" (٤/ ٢٣١١)، وابن بطال في شرحه لصحيح البخاري
(٨/ ٥٧٠)، والنووي في "شرح مسلم" (٢/ ١٧٩). وانظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (١١/ ٧٠١)، ولم يُخَالِف الإجماع إلا المعتزلة، على ما نقله الحافظ ابن رجب في الفتح (١/ ١٤٥)، حيث ذكر عن المعتزلة ومنهم الجبائي قولهم: إنَّ الكافر لا يصح إسلامه مع إصراره على كبيرة كان عليها في حال كفره. قال ابن رجب: وهذا قول باطلٌ، لم يوافقهم عليه أحد من العلماء.
(٣) انظر: فتح الباري، لابن رجب (١/ ١٤٣)، وفتح الباري، لابن حجر (١٢/ ٢٧٨)، والآداب الشرعية، لابن مفلح (١/ ٩٣).

<<  <   >  >>