للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَسْألتُه ربَّه ما سأله أنْ يُريه من إحياء الموتى لعارض من الشيطان عرض في قلبه، كالذي ذكرنا عن ابن زيد: من أنَّ إبراهيم لما رأى الحوت الذي بعضه في البر وبعضه في البحر، قد تعاوره دواب البر ودواب البحر وطير الهواء، ألقى الشيطان في نفسه فقال: متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟ فسأل إبراهيم حينئذ ربه أنْ يريه كيف يحيي الموتى؛ ليعاين ذلك عياناً، فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أنْ يُلقي في قلبه مثل الذي ألقى فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك، فقال له ربه: أولم تؤمن؟ يقول: أولم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر؟ قال: بلى يا رب، لكن سألتك أنْ تُريني ذلك ليطمئن قلبي، فلا يقدر الشيطان أنْ يُلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت». اهـ (١)

[المبحث الخامس: الترجيح]

الذي يَظْهُرُ صَوَابُه ـ والله تعالى أعلم ـ هو ما ذهب إليه الجمهور من تأويل الحديث، ونفي الشك مطلقاً عن إبراهيم الخليل عليه السلام، والمختار من أقوال الجمهور - هو القول الأول - أنَّ معنى الحديث: أنَّ الشك لو كان متطرقاً إلى إبراهيم لكنت أنا أحق به منه، ولكن لم أشك ولم يشك إبراهيم، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك تواضعاً منه، وتأدباً مع إبراهيم الخليل عليه السلام.

يؤيد هذا الاختيار:

١ - أنَّ الشك كفر، وهو غير جائز في حق الأنبياء عليهم السلام، لعصمتهم منه إجماعاً. (٢)

٢ - أنه لو وقع من إبراهيم عليه السلام شك لكان قوله: «بلى» خلافَ الواقع؛


(١) تفسير الطبري (٣/ ٥١).
(٢) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (٢/ ٢٩٣)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٧/ ٣١٧)، والمحرر الوجيز، لابن عطية (١/ ٣٥٣)، ومفاتيح الغيب، للرازي (٧/ ٣٥)، وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (٢/ ٣٠٨)، وفتح القدير، للشوكاني (١/ ٤٢٥).

<<  <   >  >>