للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - والذي فيه أنَّ الإسلام يجب ما قبله؛ فأجابوا عنه بما حاصله:

"أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لما أسْلَمَ عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُغفر له ما تقدم من ذنبه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" (١)، ومعلوم أنَّ التوبة إنما تُوجِبُ مغفرة ما تاب منه، ولا تُوجِبُ التوبةُ غُفران جميعِ الذنوب". (٢)

وبأنَّ الُمراد أنه يهدِمُ ما كان قبله مما ينافيه الإسلام من كفر وشرك ولواحق ذلك، مما يكون الإسلام توبة منه وإقلاعاً عنه. (٣)

[المبحث الخامس: الترجيح]

الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - أنَّ الكافر إذا أسلم فإنما يُغفر له ما تاب منه بعد إسلامه؛ وأمَّا الذنوب التي فعلها في الجاهلية وأصَرَّ عليها في الإسلام فإنَّه يُؤاخذ بها.

والآية والحديث يدلان على هذا المعنى ولا يختلفان فيه؛ لأنَّ الآية جاءت مُطلقة فلم تُفَرِّقْ بين الذنوب التي تاب منها والتي لم يتب منها، وأمَّا الحديث ففيه تقييد لهذا الإطلاق، فيُحمل المطلق على المقيد، فيكون معنى الآية: إنْ ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف مما تابوا منه، وانتهوا عنه.

وأمَّا مَا ذَهَبَ إليه أصحاب المذهب الأول من تأويلات لحديث ابن مسعود؛ فكلها لا تخلو من ضعف؛ وذلك لأسباب منها:

١ - أنَّ الكافر إذا ارتَدَّ عن الإسلام، أو كان منافقاً لم يبق معه إسلامٌ


(١) تقدم تخريجه قريباً.
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٠/ ٣٢٤ - ٣٢٥)، وانظر: الفصل، لابن حزم (٢/ ٣٥٥).
(٣) انظر: فتح الباري، لابن رجب (١/ ١٤٣).

<<  <   >  >>