للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: بيان وجه الإشكال في الحديث]

ظاهر الحديث الوارد في سبب نزول الآية أنَّ الشيطان ألقى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الجملة الباطلة التي تمدح أصنام المشركين، وهي قوله: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)، وهذا مشكل؛ لما فيه من القدح بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ قد أجمعت الأمة (١) على عصمته - صلى الله عليه وسلم - من جريان الكفر على قلبه أو لسانه، لا عمداً ولا سهواً، أو أن يَشْتَبِهَ عليه ما يُلقِيهِ الملَكُ بما يلقي الشيطان، أو أن يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يَتَقَوَّلَ على الله ما لم يَقُلْ، لا عمداً ولا سهواً. (٢)

قال الآلوسي: «يلزم على القول بأنَّ الناطق بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب إلقاء الشيطان المُلَبّسِ بالملك - أمور منها: تسلط الشيطان عليه - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع معصوم من الشيطان، لا سيما في مثل هذا من أمور الوحي والتبليغ والاعتقاد، وقد قال سبحانه: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الحجر: ٤٢]، وقال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)) [النحل: ٩٩]، إلى غير ذلك. ومنها: زيادته - صلى الله عليه وسلم - في القرآن ما ليس منه، وذلك مما يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ لمكان العصمة. ومنها: اعتقاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس بقرآن أنه قرآن، مع كونه بعيد الالتئام، متناقضاً، ممتزج المدح بالذم، وهو خطأ شنيع لا ينبغي أن يُتساهل في نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم -. ومنها: أنه إما أن يكون عليه الصلاة والسلام عند نطقه بذلك معتقداً ما اعتقده المشركون، من مدح آلهتهم بتلك الكلمات؛ وهو كفر محال في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وإما أن يكون معتقداً معنى آخر، مخالفاً لما اعتقدوه، ومبايناً لظاهر العبارة، ولم يبينه لهم مع فرحهم


(١) حكى الإجماع القاضي عياض في الشفا (٢/ ٨٠).
(٢) انظر حكاية الإشكال في الكتب الآتية: الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، للقاضي عياض (٢/ ٨٠)، ولباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (٣/ ٢٦١)، وعصمة الأنبياء، للرازي، ص (٨٣)، ونصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، للألباني، ص (٣٥ - ٣٦).

<<  <   >  >>