قال: وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها. وهو إطلاق مردود عليه، وكذا قول عياض: .... ، ثم ساق كلامه وقال: وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلاً، وقد ذكرتُ أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به؛ لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر، وهو قوله: «ألقى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)» فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه، وكذا سهواً إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد؛ لمكان عصمته، وقد سلك العلماء في ذلك مسالك .... ». اهـ. ثم ذكر هذه المسالك، وسيأتي ذكرها في أصل المسألة عند ذكر مذاهب العلماء تجاه الإشكال الوارد في الحديث. الخلاصة: وبعد هذا الاستطراد في تخريج الحديث يحسن بنا تلخيصه في النقاط الآتية: أولاً: طُرق الحديث: ١ - رُوي مسنداً عن ابن عباس رضي الله عنهما، من عدة طرق، ولا يصح منها شيء. ٢ - رُوي عن سعيد بن جبير، مرسلاً، وموصولاً إلى ابن عباس، ولا يصح إلا المرسل فقط. ٣ - رُوي مرسلاً عن أربعة عشر تابعياً، ولا يصح إلا رواية سعيد بن جبير، وأبي العالية، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وقتادة؛ وهي وإن صحت إليهم فإن ذلك لا يعني قبولها؛ لأنها مراسيل، والمُرسَل في عداد الحديث الضعيف. ثانياً: ألفاظ الحديث: رُوي بثلاثة ألفاظ: الأول: أن الشيطان ألقى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «تلك الغرانيق العلى ... ». جاء ذلك في رواية ابن عباس، من طريق سعيد بن جبير، عنه. ومن طريق الكلبي، وسليمان التيمي، وأبي بكر الهذلي، وأيوب، عنه. ورُوي هذا اللفظ عن: سعيد بن جبير، وأبي العالية، ومحمد بن كعب القرضي، ومجاهد، وعكرمة، والسدي، ومحمد بن فضالة الظفري، والمطلب بن عبد الله بن حنطب. اللفظ الثاني: أن الشيطان هو الذي تكلم بتلك الكلمات. جاء ذلك في رواية ابن عباس، من طريق العوفي، عنه. ورُوي هذا اللفظ عن: ابن شهاب الزهري، وعروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرضي ـ في رواية أخرى عنه ـ ومحمد بن قيس، والضحاك، وقتادة. اللفظ الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سها فقال تلك الكلمات. جاء ذلك في رواية أبي بكر بن عبد الرحمن.