للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: أسباب وقوع التعارض بين النصوص الشرعية]

مما يجدر التنبيه له أنَّ التعارض الحقيقي بين النصوص الشرعية لا يكاد يوجد ألبتة؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها أبداً، ولذلك لا تجد دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما، بحيث وجب عليهم التوقف، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ أمكن التعارض بين الأدلة عندهم (١)، وهذا التعارض هو في الظاهر وحسب، وليس له حقيقة أبداً، وهو نسبي يختلف باختلاف نظر المجتهدين وفهمهم، وقد ذكر العلماء عدة أسباب توهِم وقوع التعارض بين النصوص الشرعية، نذكر جملة منها على سبيل الإيجاز:

الأول: أنَّ نصوص الشريعة ترد تارة بصيغة العموم، ومرة بصيغة الخصوص، وتارة يرد النص عاماً ويُراد به الخصوص، ومرة خاصاً ويُراد به العموم، فيُظَنُّ أنَّ بينهما تعارضاً واختلافاً، وليس الأمر كذلك؛ إذ اللفظ العام يمكن تخصيصه بالخاص فينتفي التعارض، والعام المراد به الخصوص يمكن معرفة خصوصه بقرينة في النص ذاته،

أو بدليل آخر منفصل عنه، وكذا الخاص المراد به العموم. (٢)

السبب الثاني: أنْ يكون لفظ أحد النصين مُطلقاً والآخر مُقيداً؛ فيُظن أنَّ بينهما تعارضاً واختلافاً، لكن عند حمل المطلق على المقيد ينتفي الاختلاف

ويزول التعارض. (٣)

السبب الثالث: أنْ يقع وهمٌ وغلطٌ من أحد الرواة، فيروي حديثاً مشكلاً مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الوهم قد يكون في المتن، فيأتي الراوي بلفظٍ لم يقله


(١) انظر: الموافقات، للشاطبي (٥/ ٣٤١).
(٢) للأمثلة على هذا السبب: ينظر مسألة: هل الحدود كفارة لأهلها أم لا؟ ص (١٠٥).
(٣) للأمثلة على هذا السبب: ينظر مسألة: من أساء في الإسلام هل يُؤاخذ بما عمل في الجاهلية؟
ص (٢٥٢).

<<  <   >  >>