للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبه قال الزمخشري، والفخر الرازي.

قال الزمخشري - بعد أن أورد الآية -: "وفيه دليل بَيّنٌ أنَّ الجن لا يُرون، ولا يظهرون للإنس، وأنَّ إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم، وأنَّ زَعْمَ من يَدَّعي رؤيتهم زورٌ ومخرقة". اهـ (١)

وقال الفخر الرازي: "قوله تعالى: (مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) يدل على أنَّ الإنس لا يرون الجن؛ لأن قوله: (مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص، قال بعض العلماء: ولو قَدِرَ الجن على تغيير صور أنفسهم بأي صورة شاؤا وأرادوا لوجب أن ترتفع الثقة عن معرفة الناس، فلعل هذا الذي أشاهده وأحكم عليه بأنه ولدي أو زوجتي جِنِّيٌّ صوّر نفسه بصورة ولدي أو زوجتي، وعلى هذا التقدير يرتفع الوثوق عن معرفة الأشخاص". اهـ (٢)

[المبحث الخامس: الترجيح]

الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - هو إمكان رؤية الإنس للجن، وأنَّ الآية محمولة على نفي رؤيتهم على الهيئة التي خُلِقوا عليها، لكن إذا تشكَّلوا في صورٍ أخرى من إنسان أو حيوان أمكن رؤيتهم، وعليه فتكون الآية مقيدة بمنع رؤيتهم في حال دون حال، وتلك الحال هي هيئتهم التي خُلقوا عليها.

يدل على هذا الاختيار:

١ - ما ذُكِرَ في المسألة من الأحاديث، والتي فيها رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم.

٢ - وما ورد من رؤية بعض الصحابة لهم على صورة إنسان، أو حيوان، وهذا يدل على أنهم لا يُرون على هيئتهم التي خلقوا عليها، لكن إذا تشكلوا في صور أخرى أمكن رؤيتهم.


(١) الكشاف، للزمخشري (٢/ ٩٤).
(٢) مفاتيح الغيب، للرازي (١٤/ ٤٥).

<<  <   >  >>