الثاني: أنه لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر.
الثالث: أنه لا يليق بجلال الله أنْ يأمر جبريل بأنْ يمنعه من الإيمان.
الرابع: أَنَّ الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس، فحال البحر لا يمنعه.
الخامس: أَنَّ التوبة بعد المعاينة غير نافعة لفرعون؛ فحينئذ لا يبقى لهذا الذي نُسِبَ إلى جبريل فائدة. (١)
[المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث]
للعلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث مسلكان:
الأول: مسلك قبول الحديث مع توجيهه.
وعلى هذا المسلك جمهور العلماء من مفسرين ومحدثين، وقد ذكروا عِدَّةَ أجوبة في توجيه الحديث:
الأول: أَنَّ فرعون كان كافراً كفر عناد؛ فإنه حينما توقف النيل توجه منفرداً وأظهر أنه مُخلص؛ فأُجريَ له النيل، ثم تمادى على طغيانه وكفره، فخشي جبريل أنْ يُعاوِدَ تلك العادة فيُظهر الإخلاص بلسانه؛ فتُدركه رحمة الله، فيُؤخره في الدنيا، فيستمر على غيّهِ وطغيانه، فدسَّ في فَمِهِ الطين ليمنعه من التكلم بما يقتضي ذلك، ولا يلزم من فِعْلِ جبريل جهلٌ ولا رضاً بكفر، وأيضاً فإيمانه في تلك الحالة على تقدير أنه كان صادقاً بقلبه لا يُقبل منه؛ لأنه وقع في حال الاضطرار، ولذلك عقب الآية بقوله تعالى:(آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)) [يونس: ٩١]، وفيه إشارة إلى قوله تعالى:(فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)[غافر: ٨٥].
(١) انظر حكاية الإشكال في الكتب الآتية: الكشاف، للزمخشري (٢/ ٣٥٤)، ومفاتيح الغيب، للرازي (١٧/ ١٢٥)، ولباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (٢/ ٤٦٠)، وروح المعاني، للآلوسي (١١/ ٢٤١).