للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس: الترجيح]

التحقيق في هذه المسألة أَنَّ لفظ: "أشد الناس عذاباً"، لا يَثْبُتُ إلا في حديثي عائشة وابن مسعود، الواردين في المصورين، وأما بقية الأحاديث فلا يثبت فيها هذا اللفظ:

أما حديث خالد بن الوليد، وهشام بن حكيم، فقد اضطرب الرواة في لفظه، وأصح رواياته ما جاء بلفظ: "إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا"، وليس في هذا اللفظ ما يُوهِمُ مُعارضة الآية.

وأما حديث ابن مسعود الآخر فقد اختُلِفَ في وقفه ورفعه، وهذا الاختلاف يدل على عدم ضبط الرواة له، وهو موجب للتوقف في قبوله بهذا اللفظ.

وأما حديث أبي سعيد الخدري، فضعيف.

وقد بينت بالتفصيل ما في هذه الأحاديث من علل في أثناء تخريجي لها في أول المسألة.

والذي يظهر لي أنْ لا تعارض بين كون آل فرعون في أشد العذاب، وكون المصورين أشد الناس عذاباً يوم القيامة؛ ذلك أَنَّ الأحاديث ذكرت بعض أوصاف المستحقين للعذاب الأشد، وهم المصورون، والآية ذكرت أشخاصاً بعينهم، وهم آل فرعون، والعلة الموجبة لعذاب هؤلاء وهؤلاء هي مضاهاة الله، وهي التي استحقوا بها العذاب الأشد.

وقد أشارت بعض روايات أحاديث التصوير لهذه العلة؛ فعن عائشة رضي الله عنها أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ (١)


(١) المضاهاة: هي التشبيه، ومعنى الحديث أنهم يُشبِّهون ما يصنعونه بما يصنعه الله، وقد جاء ذلك مفسراً في رواية مسلم، وفيه: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ". انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (٢/ ٦١)، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٣/ ١٠٦)، وفتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٤٠١).

<<  <   >  >>