للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِخَلْقِ اللَّهِ". (١)، وجاء في حديثٍ آخر التنصيص على هذه العلة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً". (٢)، وهذه العلة - أعني المضاهاة - موجودة في كل من نازع الله في شيء من خصائصه؛ كمنازعته تعالى في ربوبيته، أو ألوهيته، أو في شيء من صفاته أو أفعاله، والعذاب الأشد عام لكل من وُجِدَ فيه شيء من هذه المنازعة، وفرعونُ داخلٌ في هذا الوعيد قطعاً، لادعائه الألوهية، والتي هي من أعظم خصائص الله تعالى، فهو مضاهٍ لله تعالى في هذه الدعوى، وكذا قوم فرعون فإنهم لما أطاعوه، واتخذوه إلهاً من دون الله، استحقوا العذاب الأشد.

وثمة أمرٌ آخر استحقوا به هذا الوعيد، وهو ما اشتهروا به من نحت التماثيل، وادعائهم القدرة على مضاهاة الله في صنعها؛ فإن هذا موجب لكونهم في العذاب الأشد، كما جاء في أحاديث التصوير.

ومما يؤكد أَنَّ العلة في الأحاديث هي المضاهاة: أَنَّ الوعيد الوارد في أحاديث التصوير يمتنع حمله على ظاهره في عموم المسلمين (٣)؛ لأن من فعل التصوير من المسلمين - مع علمه بتحريمه - إنما يكون فاعل كبيرة فقط، فكيف يكون عذابه أشد من عذاب الكفار والمنافقين، ومعه أصل التوحيد؟ فدل على أَنَّ هذا الوعيد الأشد إنما هو في حق من ادعى القدرة على مضاهاة الله في خلقه، فإنه يكفر بذلك، ويكون مستحقاً للعذاب الأشد، وقد أشار إلى ذلك


(١) أخرجه البخاري في صحيحه - واللفظ له - في كتاب اللباس، حديث (٥٩٥٤)، ومسلم في صحيحه، في كتاب اللباس والزينة، حديث (٢١٠٧)، وفيه زيادة "من"، ولفظه: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ"، ورواه من وجه آخر بلفظ: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا ... "، ولَمْ يَذْكُرْ "مِنْ".
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التوحيد، حديث (٧٥٥٩)، ومسلم في صحيحه، في كتاب اللباس والزينة، حديث (٢١١١).
(٣) أعني الوعيد بالعذاب الأشد، وإلا فإن التصوير بحد ذاته يُعد كبيرة من كبائر الذنوب، وصاحبه مستحق للعذاب، لكن عذابه دون عذاب من فعله قاصداً به مضاهاة الله تعالى.

<<  <   >  >>