للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حد عليها إذا كانت غير محصنة، وأمَّا منطوق الحديث فَيُوهِمُ مُعَارَضَة هذا المفهوم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن الأمة إذا زنت ولم تُحصِن؛ فأجاب: بأنَّ عليها الحد. (١)

[المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث]

أجمع العلماء على إعْمَالِ منطوق الآية؛ فإذا زَنَت الأَمَة المسلمة بعد زواجها فعليها نِصْفُ ما على الحرَّةِ المسلمة البِكْرِ من العذاب، وهو خمسون جلدة.

حكى الإجماع: ابن حزم، وابن عبد البر، وابن رشد الحفيد (٢). (٣)

ولم يأتِ في ذلك خلاف إلا ما نُقِلَ عن أبي ثور (٤)

من إيجاب الرجم على الأَمَة إذا كانت محصنة; لعموم الأخبار فيه، ولأنَّه حَدٌّ لا يَتَبَعَّض، فوجب تكميله، كالقطع في السرقة. (٥)


= والتعريف المشهور عند أهل الأصول: هو أنَّ المنطوق: ما دل عليه اللفظ في محل النطق. والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.
والمفهوم قسمان:
١ - مفهوم موافقة: وهو ما يكون فيه المسكوت عنه موافقاً لحكم المنطوق، مع كون ذلك مفهوماً من لفظ المنطوق.
٢ - ومفهوم مخالفة: وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفاً لحكم المنطوق؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في الغنم السائمة الزكاة"، فالمنطوق: السائمة، والمسكوت عنه: المعلوفة. والتقييد بالسوم يُفهم منه عدم الزكاة في المعلوفة.
ومفهوم المخالفة على ثمانية أقسام: منها مفهوم الشرط، ومن أمثلته الآية الكريمة التي في مسألتنا.
انظر: كشف الأسرار، للبخاري (٢/ ٢٥٣)، والبحر المحيط، للزركشي (٥/ ١٢٤ - ١٣٤)، وشرح الكوكب المنير، للفتوحي، ص (٤٤٨)، ومذكرة في أصول الفقه، للشنقيطي، ص (٢٨١ - ٢٨٥).
(١) انظر حكاية التعارض في الكتب الآتية: تفسير ابن جرير الطبري (٤/ ٢٣)، ومفاتيح الغيب، للرازي
(١٠/ ٥٢)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٥/ ١٢٢)، وتفسير ابن كثير
(١/ ٤٨٧)، وأضواء البيان، للشنقيطي (١/ ٣٢٧).
(٢) هو: محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، الأندلسي، أبو الوليد، يُلقب بابن رشد الحفيد تمييزاً له عن جده أبي الوليد محمد بن أحمد، المتوفى سنة ٥٢٠هـ، ويعد ابن رشد الحفيد فيلسوف وقته، وبرع في الفقه، وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول، ثم أقبل على علوم الأوائل حتى صار يُضرب به المثل في ذلك. قال الأبار: لم ينشأ بالأندلس مثله كمالاً وعلماً وفضلاً، يقال عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، ومال إلى علوم الحكماء فكانت له فيها الإمامة، وكان يُفزع إلى فُتياه في الطب كما يُفزع إلى فُتياه في الفقه، له من التصانيف "بداية المجتهد" في الفقه، و "الكليات"، وغيرهما. (ت: ٥٩٥هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (٢١/ ٣٠٧)، والأعلام، للزركلي
(٥/ ٣١٨).
(٣) انظر: المحلى، لابن حزم (١٢/ ٦٨)، والتمهيد، لابن عبد البر (٩/ ٩٨)، وبداية المجتهد، لابن رشد
(٢/ ٣٢٧).
(٤) هو: إبراهيم بن خالد، الإمام الحافظ الحجة المجتهد مفتي العراق، أبو ثور الكلبي البغدادي الفقيه، ويُكنى أيضاً أبا عبد الله، قال أبو حاتم بن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وورعاً وفضلاً، صنَّف الكتب، وفرَّع على السنن، وذبَّ عنها، رحمه الله تعالى. وقال الخطيب: كان أبو ثور يتفقه أولاً بالرأي ويذهب إلى قول العراقيين حتى قدم الشافعي فاختلف إليه ورجع عن الرأي إلى الحديث.
(ت: ٢٤٠هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٢/ ٧٢).
(٥) انظر: الإشراف على مذاهب أهل العلم، لابن المنذر (٣/ ٣٤)، والمغني، لابن قدامة =

<<  <   >  >>