للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غالباً عليه. (١)

وتأوله السندي: بأنَّ المراد أَنَّ أجر إعتاقه قليل، وذلك لأن الغالب عليه الشر عادة، فالإحسان إليه قليل الأجر، كالإحسان إلى غير أهله. (٢)

[المبحث الخامس: الترجيح]

التحقيق أنه لا يصح في المسألة إلا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ"، وأما بَقيَّة الأحاديث فلا يصح منها شيء، وقد بينت في أول المسألة ما فيها من علل.

والذي يظهر لي في معنى حديث أبي هريرة: أَنَّ ولد الزنا هو شر الثلاثة شؤماً بالزنا، وأنَّ معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "شر الثلاثة" أي: أشد الثلاثة تضرراً بالزنا، وذلك لأن الأبوين إذا تابا وسترا على أنفسهما فقد اندفعت عنهما مَعَرَّةُ الزنا، فلا يَعْلَم أحدٌ بحالهما، وأما الابن فلا يزال شؤم الزنا يلاحقه طيلة حياته، فهو معروف بين الناس بأنه ولد زنا، ولا يستطيع بحال أنْ يتخلص من ذلك، ومن هذا الباب أصبح شر الثلاثة، أي شر الثلاثة شؤماً بالزنا، وهذا المعنى لا يلزم منه أنْ يكون ابن الزنا ملوماً بزنا أبويه، أو أنه يُعاقب على ذلك، بل هو بريء كل البراءة من إثم أبويه، وإذا كان صالحاً لم يلحقه من شؤم الزنا إلا وصفه به، ولا يلحقه من إثم أبويه شيء.

وقد جاء في السنة إطلاق الشر على الضرر، وإنْ لم يكن الموصوف به آثماً أو مُلاماً عليه، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١)) [المرسلات: ١] فَنَحْنُ نَأْخُذُهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً، إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ فَقَالَ: اقْتُلُوهَا، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَاهَا اللَّهُ شَرَّكُمْ، كَمَا وَقَاكُمْ شَرَّهَا". (٣)


(١) مشكل الآثار، للطحاوي (١/ ٣٧٧).
(٢) شرح سنن ابن ماجة، للسندي (٣/ ٢١١).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحج، حديث (١٨٣٠)، ومسلم في =

<<  <   >  >>