للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هؤلاء: أبو بكر الباقلاني (١)، وإمام الحرمين (٢) (٣)، والغزالي (٤) (٥)، والداوودي (٦).

[المبحث الخامس: الترجيح]

الذي يَظْهُرُ صَوَابُه ـ والله تعالى أعلم ـ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - خُيّر بين الاستغفار وعدمه؛ فاختار الاستغفار، مع علمه بعدم نفعه، ولم يفهم من الآية قط أنَّ الزيادة على السبعين نافعة للمُستَغفَرِ له.

يدل على هذا الاختيار:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ؛ لَزِدْتُ عَلَيْهَا». (٧)

وهذه الرواية ليس فيها ما يفيد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم من الآية أنَّ الزيادة على السبعين نافعة له، بل هذا اللفظ صريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جازم بأن الزيادة وعدمها سواء، ولكنه افترض أنْ لو كانت الزيادة تنفعه لزاد عليها، ولكنه لم يفعل، لعلمه بأن ذلك غير مفيد، وغير نافع للمستغفر له.

وأما الآية فليس فيها نهيٌ عن الاستغفار، بل غاية ما فيها الإخبار بأن الاستغفار وعدمه سواء.

واختياره - صلى الله عليه وسلم - الاستغفار لعبد الله بن أُبي - مع علمه بعدم نفعه - إنما كان لمصالحَ أُخر تتعلق بالأحياء؛ كالرأفة بابنه، وتطييب نفوس عشيرته، وغير ذلك.

وأما فهمه - صلى الله عليه وسلم - من الآية التخيير؛ فليس فيه إشكال بحمد الله، بل الآية


(١) نقله عنه الزركشي في البحر المحيط (٥/ ١٧٣)، والحافظ ابن حجر في الفتح (٨/ ١٨٩).
(٢) هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين، من أصحاب الشافعي. ولد في جوين (من نواحي نيسابور) ورحل إلى بغداد، فمكة حيث جاور أربع سنين. وذهب إلى المدينة فأفتى ودرس، جامعاً طرق المذاهب، ثم عاد إلى نيسابور، فبنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية فيها، وكان يحضر دروسه أكابر العلماء، له مصنفات كثيرة، منها (غياث الأمم والتياث الظلم) و (البرهان في أصول الفقه)، وغيرهما (ت: ٤٧٨ هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٨/ ٤٦٨)، والأعلام، للزركلي (٤/ ١٦٠).
(٣) نقله عنه الزركشي في البحر المحيط (٥/ ١٧٣)، والحافظ ابن حجر في الفتح (٨/ ١٨٩).
(٤) هو: محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، فيلسوف، متصوف، له نحو مئتي مصنف، مولده ووفاته في الطابران (قصبة طوس، بخراسان)، رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر، وعاد إلى بلدته. نسبته إلى صناعة الغزل (عند من يقوله بتشديد الزاي) أو إلى غزالة (من قرى طوس) لمن قال بالتخفيف. من كتبه (إحياء علوم الدين)، و (تهافت الفلاسفة) و (معارج القدس في أحوال النفس) و (جواهر القرآن)، وغيرها (ت: ٥٠٥ هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٧/ ٢٢).
(٥) المستصفى، للغزالي، ص (٢٦٦ - ٢٦٧).
(٦) نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (٨/ ١٨٩).
(٧) تقدم تخريجه في أول المسألة.

<<  <   >  >>