للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: وهذان الوجهان لا مانع من تَمَنِّيَ الموت بسببهما؛ لأنَّهما من الفتنة في الدِّين، وقد تقدم أَنَّ تَمَنِّيَ الموت والحالة هذه لا مانع منه، ولا يُخالف أحاديث النهي.

الثاني: مسلك الترجيح بين الآيات والأحاديث:

ولأصحاب هذا المسلك مذهبان:

الأول: أَنَّ النهي في الأحاديث منسوخٌ بالآيات، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حضرته الوفاة: "اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى" (١).

حكى هذا القول ابن بطال ولم يَنْسُبه لأحد. (٢)

وتعقبه: بأَنَّ الأمر ليس كذلك؛ لأنَّ هؤلاء إنما سألوا ما قارب الموت، ولا مانع من ذلك. (٣)

كما أن أحاديث النهي قد جاء فيها ما يفيد جواز الدعاء عند حضور الأجل، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ" (٤)، فظاهر هذه الرواية جواز الدعاء عند حضور الأجل. (٥)

المذهب الثاني: أَنَّ الآيات منسوخة بالأحاديث.

نقل هذا المذهب النحاس ورَدَّه. (٦)

[المبحث الخامس: الترجيح]

عند حكاية أقوال المفسرين - في تفسير آيتي يوسف ومريم عليهما السلام - يظهر أنَّ الجميع متفقٌ على أنَّ معنى الآيتين لا يُخالف أحاديث النهي عن تمني


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المغازي، حديث (٤٤٣٧).
(٢) نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (١٠/ ١٣٥).
(٣) انظر: المصدر السابق.
(٤) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٥) انظر: طرح التثريب، للعراقي (٣/ ٢٥٤)، وفتح الباري، لابن حجر (١٠/ ١٣٥)، وعمدة القاري، للعيني (٢٣/ ٢٢٦).
(٦) انظر: الناسخ والمنسوخ، للنحاس (٢/ ٤٧٤).

<<  <   >  >>