ويرى أصحاب هذا المسلك أَنَّ قوله في الحديث:"قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوِيَ"، لم يُثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله، وإنما هي زيادة مدرجة من بعض الرواة.
وهذا رأي أبي بكر ابن العربي، وأشار إليه الحافظ ابن رجب. (١)
ولم يُبَيّن ابن العربي العلة التي أوجبت إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخطيب.
[المبحث الخامس: الترجيح]
الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - هو ما ذهب إليه أبو جعفر الطحاوي، ومن تبعه: أَنَّ ما جاء في الآية - من جمع اللهِ تعالى الملائكةَ مع نفسه في ضمير واحد - جائز للبشر فعله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل:"بئس الخطيب أنت" لهذا المعنى، وإنما قاله لأَنَّ الخطيب وقف على:"ومن يعصهما" وسكت سكتة، فأوهم إدخال العاصي في الرشد.
وأما الحديث فأصح رواياته الرواية التي وقف فيها الخطيب على قوله:"ومن يعصهما"، وليس في هذه الرواية أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في آخر الحديث:"قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوِيَ"، ونصُّ هذه الرواية كاملة:"أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا. فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ، أَوْ اذْهَبْ، بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ".
وهذه الرواية هي الأصح، لأمور:
الأول: أَنَّها جاءت من طريق يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، ولم يختلف النقاد في تقديم يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، على وكيعٍ، في سفيان.
(١) انظر على الترتيب: عارضة الأحوذي، لابن العربي (٥/ ١٨)، وفتح الباري، لابن رجب (١/ ٥٧).