للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ كيف يقول «بلى» وهو في الباطن على خلاف ذلك، والأنبياء عليهم السلام لا يقولون إلا الصدق. (١)

٣ - أنه لو كان قوله: «بلى» خلافَ الواقع لما أقرَّه الله تعالى على ذلك؛ فدلَّ على أنَّ إبراهيم لم يشك قط، إذ لو كان منه شك لأنكر الله عليه قوله: «بلى». (٢)

٤ - أنَّ الله تعالى قد أخبر عنه في أول القصة أنه قال للنمرود (٣): (رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة: ٢٥٨] فلو كان عنده شك لما ادعى ذلك وهو غير مؤمن به. (٤)

٥ - ومما يدل على أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك تواضعاً وأدباً، ولم يُرِدْ به إثبات الشك حقيقة، قوله في آخر الحديث: «وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ»، ومعلوم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أُعطي من التثبت في الأمور، والصبر على المكاره الحظَّ الأوفر، والنصيب الأكبر، لكنه قال ذلك تواضعاً لله، وتأدباً مع أخيه نبي الله صلى الله عليه وسلم. (٥)

قال ابن عطية: «وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تُعطِ شكاً؛ وذلك أنَّ الاستفهام بكيف إنما هو سؤالٌ عن حالة شيءٍ موجودٍ متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، نحو قولك: كيف عِلمُ زيد؟ وكيف نسْجُ الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت: كيف ثوبك؟ وكيف زيد؟ فإنما السؤال عن حالة من أحواله، وقد تكون كيف خبراً عن شيء شأنه أنْ يُستفهم عنه بكيف، نحو قولك: كيف شئت فكن، ونحو قول البخاري: كيف كان بدء الوحي،


(١) انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (٧/ ٣٥).
(٢) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (٢/ ٢٩٢ - ٢٩٣)، والموافقات، للشاطبي (٤/ ١٦٢).
(٣) هو ملك بابل، واسمه: النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، كان أحد ملوك الدنيا؛ فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان، والكافران النمرود وبختنصر، وذكروا أنَّ نمروداً هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان قد طغا وبغا وتجبر وعتا وآثر الحياة الدنيا، ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع فحاج إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية. انظر: البداية والنهاية، لابن كثير (١/ ١٣٩).
(٤) انظر: المفهم، للقرطبي (٧/ ٣١٧)، والمحرر الوجيز، لابن عطية (١/ ٣٥٣).
(٥) انظر: المفهم، للقرطبي (٧/ ٣١٩).

<<  <   >  >>