للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكيف في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حاله لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح فيلزم من ذلك أنَّ الشيء في نفسه لا يصح؛ مثال ذلك: أنْ يقول مُدَّعٍ: أنا أرفع هذا الجبل، فيقول المُكذِّب له: أرني كيف ترفعه، فهذه طريقة مجاز في العبارة، ومعناه تسليم جدلي، كأنه يقول: افرض أنك ترفعه، فأرني كيف ترفعه؟ فلما كانت عبارة الخليل عليه السلام بهذا الاشتراك المجازي خلص الله له ذلك وحمله على أنْ بَيَّنَ له الحقيقة فقال له: أولم تؤمن؟ قال: بلى، فكمُل الأمر، وتخلَّص من كل شك، ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة». اهـ (١)

وأما ما روي عن ابن عباس، وعطاء، واختاره ابن جرير من إثبات الشك لإبراهيم، وجَعْلُ سببه وسوسة الشيطان؛ فليس في الآية ولا في الحديث ما يدل عليه.

قال ابن عطية: «وما ترجم به الطبري عندي مردود، وما أدخل تحت الترجمة مُتأول: فأما قول ابن عباس: «هي أرجى آية» فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا، وليست مظنة ذلك، ويجوز أنْ يقول: هي أرجى آية؛ لقوله: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) أي إنَّ الإيمان كافٍ لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث.

وأما قول عطاء: «دخل قلبَ إبراهيمَ بعضُ ما يدخل قلوب الناس»، فمعناه من حيث المعاينة، وذلك أنَّ النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أُخْبرَتْ به، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الخبر كالمعاينة» (٢)». اهـ (٣)


(١) المحرر الوجيز (١/ ٣٥٣)، وانظر: تفسير القرطبي (٣/ ١٩٤ - ١٩٥).
(٢) أخرجه من حديث ابن عباس: الإمام أحمد في مسنده (١/ ٢١٥)، (١/ ٢٧١)، والطبراني في الأوسط (١/ ١٢)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٣٥١)، وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
وأخرجه الطبراني في الأوسط (٧/ ٩٠) من حديث أنس، والخطيب البغدادي في تاريخه (٨/ ٢٧) من حديث أبي هريرة. وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ٩٤٨)، حديث (٥٣٧٣)، وحديث (٥٣٧٤).
(٣) المحرر الوجيز (١/ ٣٥٢).

<<  <   >  >>