للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلُوبُهُمْ) [الحج: ٥٣]، ثم قال: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) [الحج: ٥٤]، فقوله: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ) يدل على أنَّ الشيطان يلقي عليهم: أنَّ الذي يقرؤه النبي ليس بحق؛ فيصدقه الأشقياء، ويكون ذلك فتنة لهم، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم، ويعلمون أنه الحق، لا الكذب، كما يزعم لهم الشيطان في إلقائه، فهذا الامتحان لا يناسب شيئاً زاده الشيطان من نفسه في القراءة. (١)

«هذا هو المعنى المراد من هذه الآية الكريمة، وهي كما ترى ليس فيها إلا أنَّ الشيطان يلقي عند تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يفتتن به الذين في قلوبهم مرض، ولكن أعداء الدين الذين قعدوا له في كل طريق، وترصدوا له كل مرصد، لا يرضيهم إلا أن يدسوا فيه ما ليس منه، ولم يقله رسوله، فذكروا ما لا يليق بمقام النبوة والرسالة وذلك دَيْدَنهم منذ القديم، كما فعلوا في غير ما آية وردت في غيره - صلى الله عليه وسلم - من الأنبياء، كداود، وسليمان، ويوسف عليهم الصلاة والسلام، فرووا في تفسيرها من الإسرائيليات ما لا يجوز نسبته إلى رجل مسلم فضلاً عن نبي مُكَرَّم، كما هو مبين في محله من كتب التفاسير والقصص». (٢)

وهذا المعنى الذي قلناه في تفسير الآية يشهد له آيات من كتاب الله عز وجل؛ كقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (١١٣)) [الأنعام: ١١٢ - ١١٣]، وقوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) [الأنعام: ١٢١].

وأما ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر من تصحيح الحديث وقبوله، فهو اجتهاد منه رحمه الله، وقد خالفه جمع من العلماء المحققين، كما تقدم، وردَّ عليه آخرون وبيّنوا أنَّ الصواب هو ضعف الحديث وبطلانه، وأجود من ناقش هذه المسألة مع الحافظ ابن حجر هو الألباني في كتابه «نصب المجانيق» (٣)، وقد


(١) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٥/ ٧٣٢).
(٢) انظر: نصب المجانيق، ص (٩).
(٣) وناقشه آخرون، منهم: المباركفوري، في تحفة الأحوذي (٣/ ١٣٧)، والقاسمي في تفسيره (٧/ ٢٦٣).

<<  <   >  >>