للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - أنَّ الأحاديث الواردة في تعذيب أهل الفترة إنما وردت بخصوص أشخاص بعينهم، ولم يأتِ فيها ما يُفيد تعذيب أهل الفترة مطلقاً، على حين جاءت الآيات الواردة بعذرهم بصيغة العموم والإطلاق، ولم تنص على نجاة شخص بعينه، فتبقى الآيات على عمومها ويخصُّ منها أولئك الذين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعذيبهم، لسبب ما أوجب عذابهم، وأما الباقون من أهل الفترة فيبقى مصيرهم مجهولاً حتى يظهر معلوم الله فيهم عندما يمتحنون يوم القيامة.

وأما أحاديث تعذيب أبويه - صلى الله عليه وسلم - فالحق أنه لم يثبت في تعذيبهما حديثٌ سالمٌ من المعارضة، إنْ في الدلالة، وإنْ في الثبوت؛ فيجب التوقف فيهما، وعدم القطع لهما بجنة أو نار.

أما حديث أبيه - صلى الله عليه وسلم - فقد علمتَ ما فيه من اختلاف الرواة في لفظه، وهذا الاختلاف موجب للتوقف فيه وعدم القطع بمضمونه.

وأما أحاديث أمه - صلى الله عليه وسلم - فلم يأت منها حديث صحيح صريح بأنها من أهل النار، والثابت هو النهي عن الاستغفار لها، وهذا النهي لا يلزم منه أنْ تكون من أهل النار.

فإن قلت: فما معنى نهي الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عن الاستغفار لها؟

فجوابه: أنَّ الله تعالى لم يأذن لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاستغفار لأمه لأنها ماتت في الفترة، ومصير أهل الفترة مجهول، فلا يُدْرَى ما يصيرون إليه، وقد شاء سبحانه أنْ يكون مصير أمه - صلى الله عليه وسلم - مخفياً عنه لِحِكَمٍ يريدها سبحانه، وقد يكون من هذه الحِكَم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أُذِنَ له بالاستغفار لأُمِّهِ لفُهِمَ منه جواز الاستغفار لأهل الفترة عموماً، ومعلوم أنَّ من أهل الفترة من قضى الله تعالى بأنهم لا يُجيبون، ولا يجوز الاستغفار لمن قضى الله تعالى بأنهم لا يجيبون، لأن حكم هؤلاء هو حكم أهل الكفر والشرك، والذين منع الله من الاستغفار لهم.

"كما أن الاستغفار فرع تصوير الذنب، وذلك في أوان التكليف، ولا يُعقل ذلك فيمن لم تبلغه الدعوة، فلا حاجة إلى الاستغفار لهم، فيمكن أنه ما شرع الاستغفار إلا لأهل الدعوة، لا لغيرهم، وإن كانوا ناجين". (١)


(١) انظر: حاشية السندي على سنن النسائي (٤/ ٣٩٥).

<<  <   >  >>