للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ويمكن أنْ يقال: إنَّ أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في الدنيا فلا يُدعى لهم ولا يستغفر لهم؛ لأنهم يعملون أعمال الكفرة فيعاملون معاملتهم، وأمرهم إلى الله في الآخرة". (١)

فإن قلت: فما معنى بكائه - صلى الله عليه وسلم - عند قبرها؟

فجوابه: أنَّ بكاءه - صلى الله عليه وسلم - عند قبرها لا يلزم منه كونها تُعذَّب، أو أنها ماتت على الكفر؛ والظاهر أنَّ بكاءه إنما هو لعدم علمه - صلى الله عليه وسلم - بمصيرها، ولشفقته عليها، لا لأنها تُعذب. (٢)

فإن قلت: هذا التعليل يُعارضه ما رُويَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استأذن ربه في الاستغفار لأمه نزل قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)) [التوبة: ١١٣] (٣)، وهذا الحديث يُفيد بأن العلة من النهي عن الاستغفار كونها ماتت على الشرك.

والجواب: أن هذا السبب المذكور في نزول الآية لا يصح، والثابت أن هذه الآية نزلت في أبي طالب، وقد تقدم. (٤)

فإن قلت: فما جوابك عن الإجماع الذي حكاه القُرافي في تعذيب أهل الفترة عموماً، وما حكاه المُلاَّ علي القاري من تعذيب الأبوين خصوصاً؟

والجواب: أنَّ دعوى الإجماع على تعذيب أهل الفترة عموماً مُعارض بما ورد في القرآن الكريم من عُذرهم بالفترة، وهي نصوص قطعية لا تحتمل التأويل، ومُعارض بما جاء في السنة النبوية من أنَّ أهل الفترة يُمتحنون يوم القيامة، ودعوى الإجماع لا بُدَّ وأن يكون لها مستند من كتاب أو سنة (٥)،


(١) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (٥/ ١٨١).
(٢) انظر: حاشية السندي على سنن النسائي (٤/ ٣٩٥).
(٣) سبق تخريجه في أثناء المسألة.
(٤) سبق تخريجه في أثناء المسألة.
(٥) ليس هناك دليل قاطع يدل على تعذيب أهل الفترة عموماً، وقد تقدم أنَّ الأحاديث الواردة في تعذيبهم إنما وردت بخصوص أشخاص بأعيانهم، وهي لا تدل على عموم العذاب لكل من مات في الفترة، وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يوجد مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها =

<<  <   >  >>