للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وافق ابنَ عباس جماعةٌ؛ فعن سعيد بن جبير أنه سُئِلَ: الزنا أشد أو قذف المحصنة؟ فقال: لا; بل الزنا. فقيل له: فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) فقال: إنما كان هذا في عائشة خاصة. (١) وعن أبي الجوزاء في هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) قال: هذه الآية لأمهات المؤمنين خاصة. (٢) وعن الضحاك في هذه الآية قال: هن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣) ". اهـ (٤)

ومن هذا المثال يتضح أنَّ قصر اللفظ العام على سببه لا مانع منه؛ إذا وُجِدَ الدليل الذي يوجب ذلك؛ فالوعيد في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣)) لا يمكن إجراؤه على عمومه في كل من قذف مؤمنة؛ لأن الله تعالى قد جعل للقذف عقوبة مقدرة شرعاً في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)) [النور: ٤]؛ ولأن اللعن في الدنيا والآخرة لا يستقيم فيمن أقيم عليه الحد؛ إذ الحد كفارة له، فوجب أنْ يكون الوعيد في الآية مقصوراً على من نزلت الآية بسببه، وهم قذفة عائشة رضي الله عنها، وكذا آية الحرابة؛ فإنه لا مانع من قصر الوعيد فيها على من نزلت الآية بسببه، وهم العرنيون الذين قُتِلُوا مرتدين.

هذا ما تبين لي في هذه المسألة، وأما بقية الأقوال فلا تخلو من نظر، وقد ذكرت الإيرادات عليها عند ذكرها، والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦/ ٢٩٠).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٨/ ٢٥٥٧).
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦/ ٢٩١).
(٤) مجموع الفتاوى (١٥/ ٣٥٩ - ٣٦١). باختصار.

<<  <   >  >>