للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتباعه، وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان، وإنما قذفوهم بما يُحَذِّرون به سفهاءهم من أتباعهم، وهو أنهم قد سُحِروا حتى صاروا لا يعلمون ما يقولون بمنزلة المجانين، ولهذا قال تعالى: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨)) [الإسراء: ٤٨].

٢ - وأما قولهم: إنَّ سحر الأنبياء يُنافي حماية الله تعالى لهم؛ فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم؛ فإنه يبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم؛ ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس، فإنهم إذا رأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم. (١)

٣ - وأما قولهم: بأن حديث عائشة هو مما تفرد به هشام بن عروة؛ فجوابه: أنَّ ما قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم؛ فإن هشاماً من أوثق الناس وأعلمهم، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه، وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة، والقصة مشهورة عند أهل التفسير، والسنن والحديث، والتاريخ والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيامه من غيرهم.

والحديث لم يتفرد به هشام؛ فقد رواه الأعمش، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: "سَحَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا؛ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا؛ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَخْرَجُوهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ الْيَهُودِيِّ، وَلَا رَآهُ فِي وَجْهِهِ قَطُّ". (٢) (٣)


(١) انظر: بدائع الفوائد، لابن القيم (٢/ ١٩٢ - ١٩٣)، ومفاتيح الغيب، للرازي (٣٢/ ١٧٢).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٥/ ٤٠)، والإمام أحمد في مسنده (٤/ ٣٦٧)، والنسائي في سننه، في كتاب تحريم الدم، حديث (٤٠٨٠)، جميعهم من طريق الأعمش، به. وصححه الألباني، في صحيح سنن النسائي (٣/ ٩٨)، حديث (٤٠٩١).
(٣) انظر: بدائع الفوائد، لابن القيم (٢/ ١٩١).

<<  <   >  >>