للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال المُلا علي بن سلطان القاري: "ولا يخفى أَنَّ هذا الاعتراض وارد لو لم يُسْمَع الحديث إلا في هذا المورد، وقد ثبت بألفاظ مختلفة وبروايات متعددة - عنه وعن غيره - غير مقيدة بل مطلقة، فدخل هذا الخصوص تحت هذا العموم، فلا منافاة ولا معارضة، فيكون اعتراضها بحسب اجتهادها". اهـ (١)

ويتلخص من أقوال العلماء في الرد على عائشة رضي الله عنها:

١ - أَنَّ ما أوردته من تأويلات، إنما هو من اجتهادها، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الظاهر من كلام الحافظ ابن حجر، والداوودي، وابن الجوزي.

٢ - أَنَّ ما اعترضت به عائشة بقولها: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" هو أيضاً معارضٌ للآية، على مذهبها.

٣ - أنه لا تعارض بين ما روت عائشة، وما روى عمر، وابنه؛ لأن كل واحد منهم أخبر بما سمع وشاهد، وهما واقعتان مختلفتان.

٤ - أنه على فرض التعارض فإن حديث عمر بن الخطاب، وابنه، أولى بالتقديم من حديث عائشة؛ لأن الرواة له أكثر.

القول الرابع: أَنَّ الحديث محمول على ما إذا كان النوح من سنة الميت وسنة أهله، ولم ينه أهله عنه في حياته؛ فإنه يعذب من أجل ذلك، وأما إذا لم يكن من سنته فإنه لا يعذب.

وحاصل هذا المذهب أَنَّ الإنسان لا يعذب بفعل غيره إلا إذا كان له فيه تسبب.

وهذا مذهب البخاري، وقد ترجم له في صحيحه بقوله: "باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه"، إذا كان النوح من سنته؛ لقول الله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: ٦]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (٢)، فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت


(١) مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (٤/ ١٩٥).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجمعة، حديث (٨٩٣)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإمارة، حديث (١٨٢٩).

<<  <   >  >>