للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القبيحة". اهـ (١)

وقال ابن القيم: "ليس في هذه الأحاديث بحمد الله إشكال، ولا مخالفة لظاهر القرآن، ولا لقاعدة من قواعد الشرع، ولا تتضمن عقوبة الإنسان بذنب غيره؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ونوحهم، وإنما قال: يعذب بذلك، ولا ريب أَنَّ ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص .... ، وهذا العذاب يحصل للمؤمن والكافر، حتى إنَّ الميت ليتألم بمن يعاقب في قبره في جواره (٢)، ويتأذى بذلك كما يتأذى الإنسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره؛ فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم - وهو البكاء الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، والبكاء على الميت عندهم اسم لذلك، وهو معروف في نظمهم ونثرهم - تألم الميت بذلك في قبره، فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه، وبالله التوفيق". اهـ (٣)

أدلة هذا القول:

ذكر أصحاب هذا القول عدة أدلة تؤيد ما ذهبوا إليه، ومن هذه الأدلة:

١ - حديث قيْلَةَ بنت مَخْرَمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيغلب أحدكم أن يُصاحب صويحبه في الدنيا معروفاً، وإذا مات استرجع، فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر (٤) إليه صويحبه، فيا عباد الله، لا تعذبوا موتاكم". (٥)


(١) مجموع الفتاوى (٢٤/ ٣٦٩ - ٣٧٥). باختصار. وانظر: (١٨/ ١٤٢)، وتفسير آيات أشكلت (١/ ٤٥٢ - ٤٥٦).
(٢) لا أعلم دليلاً من كتاب أو سنة يدل على أن الميت يتأذى بمن يُعاقب في قبره في جواره، ومثل هذه الأمور المغيبة ينبغي عدم الخوض فيها إلا بدليل.
(٣) عدة الصابرين، ص (١٧٢ - ١٧٣)، وانظر: حاشية ابن القيم على مختصر سنن أبي داود (٨/ ٢٨٠)، والروح، ص (٢٣٩).
(٤) الاستعبار هو جريان دمع العين، مأخوذ من العَبْرَة التي تسيل من العين عند الحزن ونحوه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٣/ ١٧١)، ولسان العرب، لابن منظور (٤/ ٥٣٢).
(٥) هذا جزء من حديث طويل أخرجه ابن سعد في الطبقات (١/ ٣١٧ - ٣٢٠)،

<<  <   >  >>