للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - وأما رواية: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". (١) فهي بيان لنوع البكاء، والمعنى: أَنَّ بعض البكاء يعذب به الميت، وهو ما كان فيه ندب ونياحة.

ثانياً: القول بأن معنى الحديث توبيخ الملائكة للميت:

هذا القول يُعد بمعنى القول بتعذيب الميت مطلقاً؛ لأن توبيخ الملائكة للميت هو من جملة تعذيبه، وما ذكره أصحاب هذا القول من أحاديث تؤيد ما ذهبوا إليه هي في الحقيقة موافقة لحديث عمر، وابنه، رضي الله عنهما، وهي بمثابة البيان لبعض العذاب الذي يتعرض له الميت.

ثالثاً: القول بأن التعذيب بمعنى التأذي، يَرِدُ عليه:

١ - أنه لو كان مراد الحديث تأذي الميت ببكاء أهله عليه لصار لفظ الحديث "يتعذَّب"، ولا يخفى ما بين اللفظين من فرق.

٢ - أَنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُعذب" هو فعل لما لم يُسم فاعله، وهو يستدعي أَنَّ التعذيب يقع عليه من طرف آخر، ولو كان من أهله لقال: يعذبه بكاء أهله عليه.

٣ - أَنَّ لفظ "العذاب" الغالب استعماله في القرآن والسنة بمعنى العقاب، وإذ الأمر كذلك فإن تفسير النصوص على الأعم الغالب هو الأولى. (٢)

وأما استدلالهم بحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -؛ فلا يستقيم لهم؛ بل هو حجة لمن قال بحمل الحديث على ظاهره، وما ذُكِرَ فيه هو بيانٌ لبعض التعذيب الذي يتعرض له الميت بسبب بكاء أهله عليه، هذا على التسليم بثبوت الحديث، وقد تقدم أَنَّ الحديث لا يثبت من طريق أبي موسى - رضي الله عنه -.

وأما قصة عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه -، فليست بحجة؛ إذ ليس فيها شيء مرفوع للنبي - صلى الله عليه وسلم -.


(١) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٢) انظر: قواعد الترجيح، لحسين الحربي (١/ ١٧٢)، وفصول في أصول التفسير، للطيار، ص (١١٢).

<<  <   >  >>