هذا وقد أسلفتُ ما ذكره النقاد من علل هذا الحديث، التي توجب رده وعدم قبوله، وسأزيد عليها هاهنا عللاً ظهرت لي، ولم أرَ أحداً أشار إليها، وهذه العلل مع ما سبق، تبين بجلاء أَنَّ هذا الحديث لا يصح رفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
العلة الأولى: قوله في الحديث: "وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ"، أي أَنَّ الجبال خُلقت في اليوم الثاني، وهذا مخالف لآية فُصِّلَتْ، والتي نصَّت على أنَّ الجبال خُلِقَتْ في اليوم الثالث أو الرابع، حيث قال تعالى:(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠)) [فصلت: ٩ - ١٠].
فقوله:(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ) إلى آخر الآية يدل على أن خلق الجبال كان في اليومين الأخيرين من الأيام الأربعة.
العلة الثانية: قوله في الحديث: "وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ"، أي أَنَّ الدواب خُلقت في اليوم السادس، وهذا فيه مخالفة لآية فُصِّلَتْ؛ فإن الظاهر المتبادر من الآية أَنَّ الدواب خُلقت وقت تخليق الأرض في الأيام الأربعة الأولى، لا في اليوم السادس، ومما يقوي هذا الظاهر قوله تعالى في سورة البقرة:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)) [البقرة: ٢٩]، وهذا الآية صريحة بأن الله تعالى لم يخلق السماوات إلا بعد أن أتم خلق الأرض وما فيها، ومن ذلك الدواب؛ لقوله:(جَمِيعًا)، وقد تقدم أَنَّ خلق الأرض كان في أربعة أيام، فكيف يكون خلق الدواب في اليوم السادس؟!
وأما ما ذكره أصحاب المذهب الثاني من تأويلات للجمع بين الآيات والحديث؛ فإنها لا تخلو من ضعف، وبعضها يَرِدُ عليه إشكالات لا يمكن التخلص منها إلا بتكلف، وهاك تفصيل ذلك:
أولاً: قول الألباني: "إن الأيام الستة المذكورة في الآيات، هي غير الأيام السبعة المذكورة في الحديث".
يرد على قوله هذا: أنَّ الحديث نص على أَنَّ الجبال خُلقت يوم الأحد، وقد جاء في آية فُصِّلَتْ أَنَّ الجبال خُلقت في مراحل تخليق الأرض الأولى،