للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال به من المعاصرين: عبد الرحمن الجُزيري (١)، ومحمد الغزالي (٢)، ويوسف القرضاوي. (٣)

أدلة هذا المسلك:

من أقوى ما استدل به أصحاب هذا المسلك قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: ١٥].

وهذه الآية صريحة بأنَّ الله تعالى لا يُعذِّبُ أحداً من خلقه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره، فيعصي ذلك الرسولَ ويتمادى في كفره حتى يموت.

وقد حكى السيوطي إطباق أئمة السنة على الاستدلال بالآية في أنه لا تعذيب قبل البعثة. (٤)

وهذا المعنى الوارد في الآية قد أوضحه الله جل وعلا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٦٥)) [النساء: ١٦٥]، فصَرَّح في هذه الآية الكريمة بأنْ لا بُدّ أنْ يقطع حُجة كلِّ أحدٍ بإرسال الرسل، مُبشرين من أطاعهم بالجنة، ومُنذرين من عصاهم النار، وهذه الحجة ـ التي أوضح هنا قطعها بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين ـ بيَّنها في آخر سورة طه بقوله: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤)) [طه: ١٣٤]، وأشار لها في سورة القصص بقوله: (وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)) [القصص: ٤٧]، وقوله جل وعلا: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (١٣١)) [الأنعام: ١٣١]، وقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ


(١) الفقه على المذاهب الأربعة، للجزيري (٤/ ١٧٤).
(٢) هموم داعية، ص (٢١ - ٢٢)، ودستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، ص (٢٣ - ٢٤)، كلاهما للغزالي.
(٣) كيف نتعامل مع السنة النبوية، للقرضاوي، ص (٩٧).
(٤) مسالك الحنفا في والدي المصطفى، للسيوطي (٢/ ٣٥٥).

<<  <   >  >>